«يا ذهب مين يشتريك؟» الذهب يسجل رقماً قياسياً جديداً أعراضه المباشرة تصيب كلاً من البائع والمشتري!

حقق الذهب رقماً قياسياً جديداً في السوق المحلية، إذ بلغ سعر الغرام الواحد منه 5850 ليرة، ليصبح سعر الليرة الذهبية عيار 21 قيراطاً 200,47 ليرة.. ومن المعروف أن السبب في هذا الارتفاع يعود إلى تأرجح سعر الصرف، إضافة إلى البورصة العالمية، وإن كانت قد شهدت انخفاضاً في أسعار الذهب، نتيجة إحجام المستهلكين عن شرائه. ولكن يبقى العامل الأكثر تأثيراً على سعر الذهب محلياً هو دولار السوق السوداء الذي أثّر على غيره من المعادن الأخرى.

وكان لهذا التأثير أثر بالغ على المواطن، فقد بلغ سعر الخاتم (الحابس والمحبس) حدود 60 ألف ليرة، مما يضع تحدياً كبيراً أمام المقبلين على الزواج في ظل الظروف الراهنة، كما أن البائع نفسه لم ينجُ من آثار هذا الارتفاع، إذ انخفضت مبيعاته واقتصرت على عدد من الليرات الذهبية بهدف الادخار، وذلك في حال مقارنة المبيعات الحالية مع مبيعات ما قبل الأزمة التي تمر على سورية.

(النور) حاولت بجولة على بعض محلات الذهب في دمشق، الوقوف على حركة البيع والشراء، وأثر ارتفاع أسعار الذهب عليهم وعلى المواطن.

 

إغلاق بعض محلات الصاغة

بداعي الخوف وضعف الطلب

في الجولة التي أجريناها في بعض أسواق دمشق، مثل مساكن برزة بدمشق، وجدنا أن هناك بعض محلات الصاغة مغلقة منذ فترة لا تقل عن شهرين، وفق أقوال بعض جيران هذه المحلات. وقد أشاروا أن السبب الذي دفع بعض أصحاب محلات الصاغة، لإغلاق محالهم بشكل دائم، هو غياب عنصر الأمان بالدرجة الأولى، وخاصة أن محلاتهم تحتوي سلعاً نفيسة، وخوفهم من تعرضهم لأي عملية سطو، إضافة إلى ارتفاع أسعار الذهب الذي أدى إلى شلل السوق شللاً تاماً.

والتقت (النور) أحد أصحاب محلات بيع الذهب، وسألته عن وضع السوق فقال: نقوم بفتح المحل وإغلاقه دون أن يدخل زبون واحد. وفي حال دخل زبون فإنه يقوم بالسؤال فقط ولا يتجرأ على الشراء. أما بالنسبة لعمليات البيع فإنه مع تذبذب سعر الذهب فإن معظم الصاغة لا يقومون بالشراء، خوفاً من انخفاض سعر الذهب، الذي أخذ يسجل في كل يوم سعراً جديداً وبدرجة متفاوتة.

وأوضح أنه قد يصادف الصائغ عملية شراء الذهب ممن هم مقبلون على الزواج، ولكن أغلبهم من المقتدرين، أي الأثرياء حصراً. في حين أن معظم المواطنين حالياً لا يقومون بشراء الذهب من أجل الخطوبة أو الزواج، بل يكتفون بشراء الخواتم (الحابس والمحبس) فقط و بعض القطع الخفيفة ذات الوزن والسعر القليلين. وهناك بعض المواطنين يقومون بشراء الخواتم من الذهب فقط والباقي من الذهب المقلّد. كما أن هذه الحالة ليست منتشرة كثيراً، ولكن هناك بعض المواطنين لجؤوا إليها، الأمر الذي رفع سعر الفضة والذهب المقلد، أو كما يقال له الذهب الروسي، نتيجة زيادة الطلب عليه.

وعن أغلب الصاغة الذين قاموا بإغلاق محلاتهم قال الصائغ: معظم الذين أغلقوا محلاتهم سافروا إلى دول أخرى، فهناك من سافر إلى تركيا، وهناك من سافر إلى مصر، أو لبنان، أو الأردن، وهناك من غيّر مهنته.

 

جمود السوق..

والذهب المقلد هو الملجأ

وأجرت (النور) لقاء آخر مع صاحب أحد محلات الذهب، الذي قال في بداية حديثه: إن حركة الأسواق تشهد جموداً تاماً، وإن معظم المحلات التي تبيع الذهب ستعلن إفلاسها، لأنها تأكل من رأسمالها وتعتاش عليه. مشيراً إلى أن ارتفاع سعر الذهب أثّر على كلا الطرفين، سواء المواطن أو أصحاب المحلات، فإن المواطن أصبح لا يستطيع أن يشتري الذهب أو يبيعه، نتيجة ارتفاع أسعاره، على عكس ما كان سائداً قبل ارتفاعه لهذه الدرجة. فقد كان هناك إقبال كبير على شراء الليرات الذهبية والأونصات، وذلك في سبيل الادخار، وخوفاً من انخفاض قيمة الليرة، فكانت المبيعات جيدة، إلا أن ارتفاع أسعار الذهب كثيراً أدى إلى جمود الحركة بشكل كبير، والآن الأسواق تشهد عمليات بيع أكثر من عمليات الشراء لتلبية الاحتياجات المختلفة.

وعن توجه المواطنين المقبلين على الزواج أو الخطوبة، أوضح الصائغ أن هذه الحالات أصبحت نادرة، فالزواج حالياً قليل نتيجة الأزمة الراهنة التي تمر بها سورية، كما أن المواطن المقبل على الزواج أصبح لا يشتري الذهب، بل لجأ إلى الذهب المقلد والفضة. وفي حال اضطر فإنه يكتفي بشراء المحابس فقط من الذهب، إذ إن أصغر قطعة من الذهب أصبحت تكلف ما لا يقل عن 20 ألف ليرة، وبالطبع فلن يقوم بشراء الذهب بكميات كبيرة، لأن الحالة الاقتصادية العامة تشهد ركوداً وتضخماً وانخفاضاً في قيمة الليرة السورية.

وأوضح أن المواطن لجأ في بعض الأوقات إلى استئجار الذهب مقابل وضع رهن بقيمة الذهب، وهذا يحدث في حال وجود معرفة شخصية بين الصائغ والراهن أيضاً، وهي عملية نادرة إلا أنها تحدث.

وعن ارتفاع أسعار الذهب وتأرجحه قال الصائغ: إن السبب في تأرجح أسعار الذهب هو ناتج عن البورصة العالمية وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء، إذ يتم تسعير الذهب على أساسه، ولكن في حال تابعنا الارتفاع الذي يطرأ على الذهب، فإننا نجده ارتفاعاً طبيعياً كأي ارتفاع يطرأ على أي سلعة. فمثلاً في عام 1980 إلى هذا التاريخ نجد أن سعر الذهب في الثمانينيات كان 38 ليرة للغرام الواحد، أما الآن فهو 5 آلاف ليرة، وإن هذا الارتفاع هو طبيعي بمقتضيات الحالة، أي أنه ارتفع تدريجياً كسائر السلع، ولكن كان للأزمة الراهنة أثر بالغ في هذا الارتفاع والتأرجح وعدم الاستقرار في سعره.

وعن توقعه حول ارتفاع أكبر قد يطول سعر غرام الذهب قال الصائغ: لا أستبعد شيئاً، فقد كنا لا نتوقع أن يتجاوز سعر غرام الذهب 5 آلاف ليرة بشكل متسارع، إلا أن ذلك حدث، وكذلك الأمر فإن كل شيء يمكن حدوثه. وقد يرتفع الذهب أكثر وقد ينخفض أيضاً.

وعن الذهب المزوّر أوضح الصائغ أنه منذ فترة شاع وجود بعض الليرات الذهبية المزورة، وضبطت جمعية الصاغة هذا الأمر، وكان التركيز على تزوير الليرات الذهبية نتيجة إقبال المواطنين على تحويل سيولتهم النقدية إلى ذهب أو دولار، ووجدنا أن كلاً من الذهب والدولار تعرضا لعمليات تزوير، وخاصة الدولار في السوق السوداء.

وعن هذه المهنة ومدى تأثرها بهذا الارتفاع قال إن 60% من الورش والمحلات قد أغلقت، وأكد أيضاً أن مهنة الذهب تعاني ارتفاعاً في الضرائب في حال أراد الصائغ أن يستورد أو يصدر إلى الخارج، لذا فإننا نطالب الحكومة بتخفيض هذه الضريبة لتصبح رمزية، وليصبح هناك نوع من التبادل بين البلدان الأخرى.

وطالب الحكومة بأن تحافظ على هذه المهنة، مشيراً إلى أن هناك احتمالاً كبيراً بانقراض هذه المهنة.

بعد سماع السابق توجهنا إلى المواطن لمعرفة كيف يقوم بمواجهة ارتفاع أسعار الذهب.. فقد وجد نورس، الذي يعمل في مجال الألبسة أن الفضة هي البديل الوحيد بعد غلاء المعدن الأصفر، ولاسيما بالنسبة إليه، فهو رجل مقبل على الزواج، مضيفاً أن أسعار محابس الزواج الفضية تبدأ من 450 ليرة، وعلى ذلك فهي مناسبة جداً لمحدودي الدخل.

في حين وجدت نور أنه رغم إعجابها ببريق الفضة، إلا أنها تفضل إنفاق ما لديها من مال على سلعة ترتفع قيمتها أكثر بمرور الزمن، مثل الذهب الأبيض والأصفر، مشيرة إلى أنه لا يمكن الاستغناء عن الذهب الأصفر ولو ارتفعت أسعاره.

وقال صاحب محل لصياغة الفضة في حي الحريقة بدمشق: إن سعر القطعة المشغولة من الفضة تبدأ من خمسين ليرة، في حين تبدأ أسعار الحلي من 70ليرة فصاعداً. وعن مدى إقبال المواطنين على شراء الفضة في ظل ارتفاع أسعار الذهب، قال إن هناك إقبالاً، ولكن أغلب الأشخاص هم من الرجال وبعض النساء، مشيراً إلى أن الذهب لا يمكن أن يفقد قيمته المعنوية في ظل ارتفاع قيمته المادية.

العدد 1104 - 24/4/2024