التطوّر ضمن إطار القيم

 

لست وحدك من يستيقظ كل صباح، ويرى أن القيم والمبادئ قد واكبت ما يمارسونه تحت عباءة  (الحضارة والتطور).

ففي الواقع أنت الوحيد الذي لا تزال تستيقظ، ترى، تسمع وتحلل، فكل من حولك قد واكبوا زيف تلك المصطلحات.

في المجتمعات كافة لا بد من وجود قيم، أسس، مبادئ وأخلاق بنيت عليها تلك المجتمعات. يسير عليها و يمارسها من يعيشون ضمنها، ويعملون على احترامها وتعليمها للأجيال القادمة، حويكون لهذه القيم والمبادئ الدور الرئيسي في قيادة أفراد المجتمع وحمايتهم، كما هو حال القانون أو الدستور.

ولكن دائماً يوجد لكل قاعدة استثناء. فالأزمات الاقتصادية أو الأحداث السياسية التي يمر بها المجتمع، لا بد من أن تؤثر سلباً أو إيجاباً على هذه القيم والمبادئ.

فمنهم من يستثمر هذا التأثير، ويساهم في تطوير المجتمع وتقدّمه وتحرّره من بعض تلك القيم التي كانت قد حدّت من الإبداع والتقدم الفكري والنموذجي في العديد من المجالات، ولكن دون الإساءة إليها. ففي المجتمع من هو مقتنع بوجودها وبقائها، ومنهم من استغل هذه الأزمات والأحداث بما يخدم رغباته بعيداً عن مصلحة المجتمع الذي يعيش داخله.

في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا، والتي جاءت نتاجاً طبيعياً للأحداث السياسية الراهنة، نرى أن التاجر قد استغل انشغال الجهات المعنية، وعدم قدرتها على ملاحقة جميع التجار، وصار يتحكم بأسعار السلع، ويمارس رغبته في الاستغلال والاحتكار والربح السريع. فهو هنا قد ركز على مصلحته الشخصية دون الأخذ بعين الرحمة هؤلاء الناس الفقراء والبسطاء، وحتى دون رادع من ضمير أو أخلاق أو قيم.. فهو ساهم بشكل طبيعي في التأثير سلباً على إلحاق الضرر باقتصاد مجتمعه، ومن الممكن أن يؤدي الاستمرار بهذا الاستغلال إلى انهيار الاقتصاد والمجتمع معاً.

 

كما تلاحظ بوضوح أنك عند السير في شوارع العاصمة، قد تنقلت خلال بضع دقائق أو ساعات بين عواصم مختلفة، ابتداءً من بيروت مروراً بمقديشو وانتهاءً بالرياض، واختصرت في تلك الزيارة ،كل شرائح المجتمع الحالي الذي هو نتاج لهذه الأزمات. واطّلعت على ما يحملونه من قيم، علماً أنك يجب أن تراعي مبادئ تلك الشرائح وقيمها، وإلاّ ستنال من نظرات الازدراء أو الاستهجان ما يشعرك أنك (متخلّف) أو أنك لست في المكان المناسب. وبالتالي تكون قد تيقّنت أن لا أحد مستيقظ سواك، وأن الأزمات والأحداث السياسية التي يمر بها أي بلد ستنعكس سلباً أو إيجاباً على أفراده الذين منهم من حافظ واحترم قيم مجتمعه وأخلاقه، وهذا ما تعكسه التربية الأسرية سواءً كانت معتمدة على الدين أم لا، فهؤلاء الأفراد قد تجاوزوا هذا الاختبار الصعب، وتلك الأزمات التي رغم قسوتها وحدّتها لم تؤثّر عليهم.

إذاً، بإرادتنا الحرّة والواعية، نمتلك القدرة على التمسك بالقيم، وإبقاء ما يساعد على تقدم مجتمعنا وتطوره، وتجنّب القيم التي تهدف إلى الحد من طموحاتنا وأحلامنا، لا نبذها ونسفها، فهي موجودة، وفي مجتمعنا من هو مقتنع ببقائها.

فمن الأفضل أن نحافظ على الثوابت، ونواكب المتغيرات ضمن هذه القيم.

العدد 1104 - 24/4/2024