البائع لا يتنازل عن السعر والمستهلك يحمل وحده أوزار الحلقات التجارية

من المسؤول عن ارتفاع أسعار الألبسة؟

 

ارتفاعات كبيرة شهدتها أسواق الألبسة بدمشق وريفها، وعلى قول البائع: (اشترِ الآن، فسعر اليوم أرخص من غد)، وبات المستهلك يردد: (العين بصيرة واليد قصيرة)، فهو بحاجة إلى تلبية احتياجات أسرته من الألبسة، ولكن في الوقت نفسه لا طاقة له لتلبيتها. فأسعار الألبسة أصبحت كاوية، والحجة هي الدولار وقلة البضائع في السوق. فعندما يريد المستهلك أن يشتري لباساً له أو لأفراد أسرته فإنه (سيدوخ السبع دوخات) ولن يجد شيئاً يناسب إمكاناته المادية بعيداً عن ذوقه.. فهو لم يعد ينظر إلى مدى تلبية قطعة اللباس لذوقه، بل إن شرطه الأساسي أن تناسب قدرته المالية ودخله الشهري.

ارتفاعات شاهقة في أسعار الألبسة.. ولا تراجع عن السعر!

أخذت بعض الأسر منذ شهور تدّخر الأموال لكي تستطيع تلبية احتياجات الألبسة والعيد والمونة، مقتطعين نصيباً من دخلهم الشهري، ليشتروا بعض الألبسة لأطفالهم أو لهم، والمفاجأة هي أن سعر البنطال بلغ في أسواق دمشق 2500 ليرة، وأصبح سعر الحذاء 2200 ليرة. فالشخص الذي لديه عائلة من أربعة أشخاص يحتاج إلى نحو 20 ألف ليرة لكي يشتري قطعة لباس وحذاء لكل فرد فقط. وبالطبع فإن أغلب الأسر تعكف على شراء الألبسة في مواسم الأعياد دون غيرها أو في مواسم التخفيضات، ولكن ما لمسناه -وفق الكثير من التجار الذين التقيناهم- أن معظم المحلات التجارية لا تعرض أي تخفيضات على ألبستها. حتى إن البائع لا يقوم بإقناع الزبون أبداً لكي يشتري القطعة، بل على العكس، فكلمته واحدة ولا تراجع أبداً عن السعر، وذلك وفق ما يقوله بعض تجار الألبسة: (البضائع تربح في مكانها دون بيعها لأن أسعارها ترتفع يوماً بعد يوم)، فبيعها قد يعرض البائع للخسارة لأنه في حال أراد أن يشتري السلعة  نفسها من سوق الجملة، فإن سعرها سيكون أكثر من سعرها عندما باعها للزبون بالمفرق.

لذا نجد أغلب البائعين لا يتراجعون عن السعر المعلن، بل ينبهون المستهلك إلى أن السعر الحالي قابل للارتفاع غداً أو بعد غد، وهنا يجد المستهلك نفسه حائراً، لا يعلم كيف يستطيع تلبية حاجته وحاجة أسرته، حتى إن كثيراً من الأسر اقتصرت على شراء ألبسة لأطفالها فقط.

ولاحظنا أيضا أن هناك ركوداً كبيراً يشهده سوق الألبسة، فالمستهلك لا يجد حاجته، والبائع لا يتنازل عن سعره المعلن مع قلة العرض.

والتقت (النور) رائد، أحد تجار الألبسة في سوق القنوات بدمشق، (بائع جملة ومفرق، ويملك معملاً لصناعة الألبسة)، فأوضح أن أسعار الملابس تشهد ارتفاعات يومية متتالية  تتراوح ما بين 25-30 ل.س، مشيراً إلى  أن سبب ذلك يعود إلى الارتفاع في أسعار الأقمشة والمواد الأولية التي تُسعّر وفق تذبذات الدولار في السوق السوداء.

تاجر: الأقمشة تحتكر بهدف رفع أسعارها

وأكد رائد أن سبب ارتفاع أسعار الألبسة أيضاً يعود إلى ارتفاع تكلفة الشحن بين المحافظات، وخاصة أن بعض السائقين يرفعون أسعار الشحن، بحجة احتمالات الخطف والنهب الذي قد تتعرض له الشحنة على الطريق.. فمثلاً يقولون بأن السيارة تعرضت للخطف، ثم فُكّ الحجز عنها بعد دفع مبلغ معين، وهذا المبلغ يضاف إلى سعر الكلفة. إضافة إلى أن تجار الأقمشة يخزنون ما لديهم من القماش، منتظرين فرق سعر الصرف وتحقيق أرباح ومكاسب أكبر. كما أن معظم الأقمشة الموجودة في السوق هي أقمشة مستوردة أسعارها أرخص من المحلية، لأن المعامل المحلية ترفع أسعارها.

وأوضح رائد أن سعر الكيلو الواحد من قماش (سباند) كان 350 ليرة فأصبح 800-850 ليرة. أما قماش (الشاب) فكان الكيلو ب500 ليرة وأصبح ب 1050 ليرة. كما أن سعر المطاط ارتفع، إذ قام بعض تجار المطاط بتخزينه واحتكاره لمدة معينة، ثم أعاد طرحه في الأسواق بسعر مرتفع، وكان سعر الكيلو منه سابقاً 300 ليرة فأصبح 750 ليرة. في حين بلغ سعر (ربطة الأكياس) 350 ليرة، وكان سعرها سابقاً 125 ليرة، كما أن سعر الخيوط ارتفع بنسبة 40%.

ومن الأسباب أيضاً، وفق رائد، انقطاع الكهرباء وعدم توفر الفيول، واستخدام المازوت بدلاً منه في عملية الصباغة. وقد زاد استخدام المازوت التكلفة على كيلو القماش الواحد ما مقداره 50 ليرة، أي في الطن الواحد 50 ألف ليرة. كما أن استخدام المازوت في عملية توليد الطاقة الكهربائية لدى انقطاع الكهرباء يؤدي إلى زيادة في تكلفة القطعة الواحدة بمقدار 25 ليرة.

انخفاض نسبة البيع في المحلات التجارية بنسبة 60%

وأكد رائد أنه لا يوجد بضائع في الأسواق، والسبب هو توقف التصدير، إضافة إلى توقف 90% من المعامل المحلية، مع صعوبة وصول المواد الأولية والعمال إلى المعامل التي مازالت تعمل. وأضاف أن معظم المستوردين الخارجيين للبضائع السورية توقفوا عن المجيء إلى سورية، ومعظم الطلب حالياً هو من المستهلك المحلي، الذي يتردد كثيراً في شراء السلعة نتيجة ارتفاع سعرها ويتجه غالباً إلى أسواق البالة، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج والمبيع في أغلب المحلات التجارية بنسبة 60% مقارنة مع الأعوام السابقة.

وذكر بعض التجار ل(النور)، أن معظم الإنتاج في الأسواق المحلية هو إنتاج المعامل الصغيرة والمتوسطة في بعض مناطق دمشق وريفها، وبالطبع فإن إنتاج هذه المعامل لا يُغطي حاجة السوق، مما أدى إلى قلة العرض وبالتالي ارتفاع الأسعار.. كما أن الألبسة المصنعة في دمشق تختلف عن تلك التي كانت تصنع في حلب، فأغلب الألبسة المصنعة في دمشق هي معدة للتصدير، في حين أن الألبسة في حلب هي للاستهلاك المحلي.. وبالطبع يوجد فرق في أسعار كلتا الصناعتين. ولكن بالمجمل هناك غبن يتعرض له الطرفان: البائع والمشتري. فالبائعون يتعرضون للخسائر نتيجة ارتفاع أسعار البضائع، فعندما يريدون أن يشتروا من سوق الجملة يفاجؤون أن سعر القطعة التي باعوها مع ربحها، هي أقل من سعرها الجديد عندما يشترونها بالجملة. فهم مضطرون لأن يدفعوا من جيبهم ثمن القطعة نفسها التي اشتروها من سوق الجملة. أما المستهلك النهائي فهو يتحمل العبء الأكبر بالطبع، فوفقاً لما قاله أحد التجار ل(النور) إن المصنع يضع هامشاً للربح بنسبة 25% على بضائعه، ومن ثم بائع نصف الجملة يضع أيضاً هامش ربح 25% على بائع المفرق، وبائع المفرق يضع أيضاً 25% هامش ربح على المستهلك، أي أن المستهلك سيدفع من جيبه وحده أرباح الحلقات التجارية الثلاث، وهي 75%، إضافة إلى سعر القطعة.

قبل أن يصبح تقييد الأسعار.. بلا فائدة!

ما نود قوله إن المستهلك لا يهمه عدد الضبوط التي تنظمها مديريات التجارة، والتي بلغت في النصف الأول من شهر رمضان أكثر من  ألف ضبط، مما يعطي مؤشراً واضحاً وحقيقياً على مدى الفلتان الكبير في أسواقنا وانتشار الغش والتلاعب. كما لا يهم المستهلك عدد الدوريات التموينية، ولا يهمه تحرير الأسعار أو تقييدها. إن كل ما يهمه هو وقف نزيف دخله اليومي، وأن يحصل على جميع مستلزمات معيشته بأسعار معقولة ومناسبة لدخله. وننبه إلى أهمية أن تقوم وزارة التجارة الداخلية بتوسيع دائرة السلع التي تدرس وضعها تحت مظلة التقييد، من ألبسة وفوط أطفال وحليب وألبان وأجبان وغيرها من المواد التي يحدث شطط في أسعارها، مع التنبيه في الوقت نفسه أن لا يكون تقييد الأسعار المحررة مجرد أفكار وقرارات دون آليات للتنفيذ على أرض الواقع، كما حدث في النشرة التأشيرية للأسعار، التي  لم يشعر بها لا البائع ولا المستهلك. فمن الأهمية بمكان أن يكون هناك أدوات تنفيذية لهذا الإجراء الهام، وأن يكون هناك عقوبات رادعة بحق تجار الجملة قبل تجار المفرق دون أي رحمة. لأن هناك فروقاً سعرية كبيرة في السلعة بين محل تجاري وآخر، مما يؤكد أن هناك تلاعباً.. مع الإشارة إلى وجود احتكار كبير من  تجار الجملة لبعض السلع مثل تجار فوط الأطفال.. وهنا لا بد من السؤال: أين هو دور هيئة المنافسة ومنع الاحتكار التي لم نسمع عن أي نشاط لها خلال كل الأزمات التي مرت على أسواقنا؟!

العدد 1104 - 24/4/2024