بين نجيب محفوظ وفيفي عبدو

 مصادفة جمعت بين فيفي عبدو ونجيب محفوظ على كوبري النيل في القاهرة، عندما تعطلت سيارتها بجانب سيارة الأديب الكبير نجيب محفوظ، فاقتربت منه وسألته: أستاذ نجيب تحياتي العطرة.. هل تعرفني؟ فأجابها بكل تهذيب: لا! قالت: أنا فيفي عبدو.. وابتسمت ابتسامة عريضة قائلة وهو في سيارته الهرمة المعطلة على الكوبري لقدمها: يا أستاذ نجيب هذه (عربيتي).. تأمّل كي هي فارهة وحديثة.. لقد دفعت ثمنها حصيلة قلة أدبي، فماذا اشترى لك أدبك؟

طبعاً أنا لست فيفي عبدو، لا لأني رجل وهي امرأة فقط، ولكن لأني لا أحسن الرقص… وغني عن القول: أني لست نجيب محفوظ ولا قريباً من مكانته.

كثيراً ما يقول لي مدير تحرير الجريدة: (يا عاطف (اشتريلك حذاء جديد).. فاستجبت لطلبه بعد أن استلمت من محاسب التلفزيون أجرة ثلاث حلقات من برنامج ثقافي مدة الحلقة الواحدة ساعة.. عبرت سوق الصالحية فرحاً بالمبلغ الذي وضعته في جيبي، وقلت سأشتري جوزين من الأحذية، فأشبع حاجتي وأرضي مدير التحرير.. ولكن كم كانت خيبتي كبيرة عندما اكتشفت من واجهات المحلات أن كل ما حصلت عليه لا يشتري فردة حذاء.

نقدر ما يمر به الوطن من ويلات وما يواجه من مصاعب ونتفهم الأوليات، ولكن ألا يحق للعاملين في الحقل الثقافي أن يحصلوا على أجور تضمن لهم حياة كريمة لائقة تمكّنهم من القيام بالمهام الوطنية والثقافية الملقاة على كواهلهم.

في مقابلة تلفزيونية للشاعر والمترجم وكاتب السيناريو الراحل ممدوح عدوان، في جواب عن سؤالهم له: لماذا تطلب أجراً على كل كلمة تقولها؟ أجابهم لأنني كاتب محترف.. أعيش من إنتاجي.. فعندما أذهب إلى الحذاء يطلب مني لقاء عمله نقوداً، فهل أقدم له قصيدة؟!

لقد أصبح من غير المقبول أن تبقى مكافأة محاضرة أو استضافة في التلفزيون أو مقالة في جريدة أو مجلة ما لا يسد قيمة وجبة غذاء. المشكلة هنا ليست مادية، ومهما كان الأجر فهو لا يقابل الجهد المبذول، وحالة التوتر والتحضير والوصول إلى المراكز الثقافية أو مبنى التلفزيون أو طباعة مقالة، المشكلة معنوية ومادية، وحاجات الإنسان يجب أن تلبى وفق الظروف، فإذا كانت الحجة هي الحالة التي يمر بها الوطن والصعوبات المالية، فلماذا نجد بذخاً في أمكنة وتقتيراً شديداً في أمكنة أخرى؟!

أوليس هناك إجماع على أن المعركة في وجه منها ثقافية فكرية، فكيف يمكن للمثقف أو المفكر أو الكاتب أن ينتج أدباً أو فكراً دون أن يشعر بالإنصاف، ودون أن يحصل على ما يليق بجهده ومكانته؟

إننا نناشد أصحاب الرأي والقرار أن يعيدوا النظر في التعويضات والمكافآت بما يتناسب مع غلاء المعيشة، لتمكين العاملين في الحقل الثقافي من القيام بواجبهم الوطني الذي لا يعلو عليه واجب ولا تعادله قيمة مهما كانت مادية أو معنوية.

العدد 1104 - 24/4/2024