بين عملي وتشردي.. أنا الطفل أين مستقبلي؟

حين تطفح شعاب المدن السورية بأحوال منهكة مهددة لاستقرار السكان وأمنهم، سيتمخض الوطن عن ولادة جيل لا يبشر خيراً لمستقبله بالمطلق.

فمما نتج عن الأزمة من تشريد للعائلات في الداخل والخارج، ومن تهديم أو إغلاق للعديد من المدارس، أجبر الكثير من الأطفال على العمل من أجل مساعدة الأهل لتأمين أبسط متطلبات العيش الضرورية من مأكل ومسكن، أما اللباس فقد نسوا فرحهم به حتى أيام الأعياد.

معروف تماماً أن عمل الأطفال في سن مبكرة يفقدهم براءتهم وعفويتهم الفطرية، كما يسرق منهم  بهجتهم بالمناسبات التي كانت تحلُّ عليهم بلا هموم هي فقط من واجبات الكبار.

غير أن أخطر الأعمال وأفظعها انتهاكاً لبراءة الأطفال اليوم وعفويتهم، هي تلك التي سيقوا إليها وهم دون السادسة عشرة بلا إحساس بمسؤولية أو إنسانية، ألا وهي تجنيدهم وتسليمهم السلاح، وانخراطهم في النزاع الدائر. فأي مستقبل لنفوس مريضة، نفوس مشوّهة فكرياً وأخلاقياً سيكون لأولئك الأطفال وللبلاد، حين يتشبعون بأفكار مثَلهم الأعلى الذي لا يفهم سوى لغة الرصاص؟ لغة الخطف والقتل والذبح! لغة رفض الآخر، بل وإلغائه من الوجود..؟

ومهما علا مستوى التحديات للوقوف في وجه عمالة الأطفال في بلد تطحن فيها رحى الحرب الأخضر واليابس، فإنه لن يتعدى نسبة ضئيلة تحت ضغط الظروف القاسية التي وجد فيها الطفل نفسه، فبين ليلة وضحاها، حين لم يعد يسمع إلا أصوات المدافع والطائرات، وحين تشرد إما وحيداً، أضناه البحث عما يسد رمقه وسط القمامة، ومتسولاً لأي سقف ينام تحته، وإما مع عائلته وربما دون الأب المعيل، متنقلاً من مكان إلى آخر داخل البلد أو خارجه، بأعداد كبيرة استقرت في مخيمات اللجوء على حدود الدول المجاورة، يتعيشون على الإعانات الدولية بلا مستقبل قريب، ولا على المدى المنظور ينهي تلك المعاناة. فكم رأينا في الداخل والخارج أطفالاً منخرطين في أعمال تضر بصحتهم الجسدية والعقلية، وما زاد الطين بلة، هو عدم وعي الأهل في المخيمات تحديداً لخطورة إنجاب طفل في ظل أسوأ مقومات العيش، من فقر وبرد وتشرد بين الخيام، فقد تضاعف عدد أفراد بعض الأسر، بسبب الجهل وانعدام ثقافة تحديد النسل والرؤية المستقبلية.

وقد باتت صورة الطفل السوري المشرد، أو الذي يعمل ليعيل أسرته بمبلغ ضئيل، مادة دسمة لبعض الإعلاميين يسترزقون من خلالها، إذ تتهافت القنوات على بث مثل هذه اللقطات من قلب الحدث المأساوي، يتبعها أحياناً رقم حساب مصرفي من أجل التبرع.  

 لذلك، بات ملحّاً جداً، وإن كان صعباً، تعزيز الحلول الإسعافية والارتقاء بها لكي  تستطيع تطبيق القوانين الدولية المنصوص عنها في المنظمات الإنسانية المتخصصة بشؤون الطفولة، فهل من أمل منظور؟!!

العدد 1105 - 01/5/2024