الزواج المدني مشكلة.. أم حل لمشكلة؟

 الزواج نظام رباني وسنة كونية سنها الله تعالى لمخلوقاته وقامت عليه البشرية، لذا اهتمت به الأديان السماوية والقوانين الوضعية والنظم الاجتماعية في جميع المجتمعات في العالم. فالزواج هو الشكل الوحيد للعلاقة المشروعة التي تجمع رجلاً يدعى الزوج وامراة تدعى الزوجة، لبناء الأسرة وإنجاب الأطفال. فقد كان يتحقق بالقبول والرضا بين الطرفين، ومن ثم تطور بتطور المجتمعات والعادات وتأثير الأديان التي ساهمت في وضع أسس وقوانين وتشريعات توضح شروط إتمام هذا الزواج.

وفي الدول العربية ارتبط الزواج ارتباطاً وثيقاً بالعقيدة الإسلامية وخضع في أركانه وشروطه وأحكامه وآثاره للنصوص الشرعية. فمعظم قوانين الأحوال الشخصية عرّفته أنه عقد شرعي.

واعتبر سراً مقدساً في المسيحية يتم بمباركة الكنسية ويجريه رجل دين. وهو فريضة دينية عند اليهود.

وقد أولى المشرع السوري الأهمية للأسرة والزواج في الدستور السوري وأكد اهتمام الدولة بهذه المؤسسة، إذ نصت المادة 20 من الدستور الصادر عام 2012على:

1-الأسرة هي نواة المجتمع ويحافظ القانون على كيانها ويقوّي أواصرها.

 -2-تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات المادية والاجتماعية التي تعوقه.

 وقد أخضع المشرع السوري الزواج لقانون الأحوال الشخصية الصادر بالمشروع التشريعي 59 لعام 1953 الذي جاء شاملاً جامعاً لجميع النتائج المترتبة على هذا الزواج من مهر وعدة وطلاق وحضانة ونفقة وإراءة وإرث وهبات وأولاد.. إلخ. فقد جاء تعريفه في المادة 1: (الزواج عقد بين رجل وامرأة تحلّ له شرعاً غايته إنشاء رابطة للحياة المشتركة والنسل).

ولكن بفعل التطورات والتحولات المتسارعة التي ساهمت في تغيير المفاهيم والقيم من خلال الاندماج في المجتمع بين الشباب في الدراسة أو الوظيفة أو وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة وغيرها، التي راحت تؤثر في تفكير الشباب وسلوكهم، تُثار المشكلة عندما تنشأ علاقة حب بين طرفين مختلفين ديناً ومن المفترض أن تنتهي بالزواج.

ففي الدول التي اعتمدت الزواج المدني أحد حلول لهذه المشكلة تبنت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بالمادة 16:

 1-للرجل والمرأة إذا أدركا سن البلوغ حق التزوج وتأسيس أسرة دون أي قيد بسبب الجنسية والدين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله.

 2-لا يعقد الزواج إلا برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاء كاملاً لا إكراه فيه.

 3-الأسرة هي الخلية الطبيعية والأساسية في المجتمع ولها حق التمتع بحماية المجتمع والدولة، وهذا الزواج الذي يخضع إلى عقد بالتراضي يقوم على مبدأ العقل شريعة المتعاقدين يجمع بين رجل وامرأة، فلا مهر ولا تعدد زوجات ولا ولي أمر ولا قيود دينية أو عرقية ولا حرية طلاق لأحد الأطراف.

وهذا الزواج مرفوض في سورية، فلا القوانين تسمح به ولا البيئة الاجتماعية مستعدة لقبوله، فقد نصت المادة 48 من قانون الأحوال الشخصية السوري:

 1-كل زواج تمّ ركنه بالإيجاب والقبول واختلّ بعض شرائطه فهو فاسد.

 -2-زواج المسلمة بغير المسلم باطل.

صحيح أن هذه المادة منعت زواج مختلفي الدين واعتبرته باطلاً وخاصة زواج المسلمة بغير المسلم، وكذلك زواج المسلم بغير المسلمة مالم تكن كتابية بشرط إشهار إسلامها، ولكن النص الشرعي أباحه بشرط اعتناق الدين الإسلامي، وهذا مناقض لما نص عليه الدستور السوري في المادة ،33 اعتبر مواطنيه متساوين في الحقوق والواجبات ولا تمييز بينهم بسبب الجنس او الأصل او اللغة أو الدين أو العقيدة، هذا التناقض اعتبره البعض انتهاكاً لحق اختيار شريك الحياة وأيضاً تمييزاً بين المرأة والرجل والمسلم وغير المسلم، وهذا ما دفع العديد من الشباب للمطالبة بإقرار الزواج المدني قانوناً يحمي حق هذا الزواج المختلط لما يحققه من غنى ثقافي واجتماعي وحداً من الطائفية وإتاحة اعتناق الإسلام وتسهيل إجراءاته، ويعزز أيضاً الوحدة الوطنية ويدعم الحرية الشخصية .

فالزواج المدني باعتباره حلاً لمشكلة عانى منها الشباب له مفاعيل اجتماعية وقانونية وآثار أسرية كبيرة، فهو ينطوي بحسب القانون المالي على إنجاب أطفال غير شرعيين لاعتبار هذا الزواج زنى، والأولاد هم أولاد زنى ليس لهم حق التسجيل في دفاتر النفوس إلا باعتبارهم أولاداً غير شرعيين، وهذا ما يحرم الطفل من أبسط حقوقه المدنية، إذ لا يسجّل عقد الزواج في المحكمة ولا أمام المحاكم الروحية ولا أمام المحكمة المذهبية. والمشكلة الأبرز هي في  التعامل مع الأولاد وما يسببه من انشطار عند الأطفال إلى تربيتين وبيئتين مختلفتين، ما يؤدي إلى تصادم ومشاكل وتبعية الأطفال للدين الإسلامي لاعتباره أشرف الأبوين ديناً. وبذلك نحن بحاجة إلى مرحلة من الوعي والتثقيف لتقبل أي أفكار جديدة تحمل في طياتها تغييراً للعادات والتقاليد والقيم الإنسانية، وأن نستفيد من الماضي لإصلاح الحاضر وبناء المستقبل، ونحن بحاجة إلى قانون أحوال شخصي عصري يتضمن جميع حالات أصول الزواج ونتائجه المادية وآثاره، وأن يكون متكاملاً ودقيقاً وواضحاً لا لبس فيه يعطي كل ذي حق حقه.

العدد 1105 - 01/5/2024