التكامل في الزواج.. سواء كان شرعياً أم مدنياً

يتجسد الزواج بكونه رحلة مشحونة بطاقة الإرادة والرغبة في التعايش والعمل للتغيير نحو الأفضل، من خلال الدواعي إلى ضرورة الانسجام بين مكونات الأنا لدى كلا الجنسين أحدهما مع الآخر، لكون أبرز أشكال الانسجام في العلاقات الإنسانية هو الزواج.

فالزواج له مقومات عديدة غايتها التكامل والتوافق الأسري المستقبلي ومتطلبات نمو الأسرة في مراحل حياتها المختلفة بما يدعم الأسرة كمؤسسة اجتماعية تسعى لتنشئة أفراد ناجحين، وأبناء يحملون الخلق الراقي والنفس التواقة للنجاح، والنفس الخالية من العقد والأمراض.

إن بناء مؤسسة الزواج الناجحة يحتاج إلى قدر كبير من التفهم والحكمة في اختيار شريك الحياة، من حيث التفهم لتنشئة الشريك ومعتقداته واتجاهاته الحياتية وتطلعاته.

 ويمكن سبر ذلك من خلال النظرة إلى الزواج كعامل استقرار اجتماعي تعكس الانتماء الفاعل للبلد الذي يحيا فيه الشريكان، وما ينتظر كل منهما من الأبناء في حال حدث الحمل والإنجاب، لتأتي تربية الأولاد وتنشتهم تنشئة هدفها إرساء التوازن من خلال الوعي بالحقوق والواجبات في رسم الأدوار الاجتماعية في الأسرة كل طرف أمام الآخر.

تأتي أهمية الزواج كمؤسسة من خلال غاياته العظيمة، ومن كون الأسرة هي اللبنة الأولى الأساسية في بناء المجتمع السليم، الذي يعول عليه النهوض والارتقاء بالمجتمع الإنساني ككل. لذلك كان لابد من حسن الاختيار للزوج والزوجة لتنجح هذه المؤسسة وتمارس دورها في بناء المجتمع الإنساني، وإمداده بالأفراد الناجحين، الأبناء الذين يحملون السّلم القيمي الذي يعكس قيم البيئة التي ينتمون إليها، بما يسعيان لعيشه من السّلامة النفسية والجسدية القويمة، والمستقبل الناجح، وهذا لا يتأتى إلاّ من خلال أسرٍ داعمة لأبنائها، متماسكة، عمادها أزواج متحابون متآلفون منسجمون..

وبذلك يكون الانسجام والتناغم ما بين الأزواج له مقدماته الأصيلة من التعارف المشروع اللذين يسعيان لاختباره. إن للتعارف بين المقبلين على الزواج أشكالاً عديدة، أبرزها في مجتمعاتنا الخطبة، فكلما كانت درجة التعارف مبنية على الإغناء في العلاقة، كان للزواج فرصه الأفضل والأمتن، فأي تعارف آمن وواضح عبر السعي من كل طرف أن يبرز صفاته الشّخصية على حقيقتها، بهدف السعي إلى البحث عن الصفات المشتركة، من ثم البحث عن التوافقات بينهما بما يكمل كل منهما رؤية الآخر وتعضيده، حتى ليكون لحياة الشريكين فرصة أوثق وتستمر الحياة بتكاملهما.

وكلما ازداد التعرف على الطرف الأخر كان القرار بالاختيار سهلا وميسراً، وإنّ المعرفة المبنية على ما يحب كل طرف عمله في الحياة وتوضيح ذلك  للشريك دليل على الشخصية السّاعية للاستقرار، وأيضاً تعبير عن وضوح الأهداف والنظرة المستقبلية، كل ذلك ينعكس لدى الشّريك بأن يكون لديه فرصة الرفض أو القبول بإحساس مسؤول.

إن الحوار المتصل بين الشّخصين اللذين يريدان الشّراكة في حياة أسرية تجمعها الحميمية،  تكمن أهميّته من حاجة الذات إلى الطمأنينة، وكشف كل التباس بين الذات وبين مكملها، وفي حال غياب الحوار فإنّ خللاً ربما قد يصيب العلاقة.

إن فعالية الحوار تكشف ذواتنا ويعد الحوار مع النفس مؤشراً للنضج، ومن المهمّ استمراريّة الحوار بين الذات والآخر الراغب بالاقتران في مسيرة حياتنا حتى نستطيع أن ننطلق في اكتشاف أنفسنا، من ثم التعرف على سمات الآخر ومبادئه السلوكية في الحياة..

من هنا يستوجب أن تهتم الأسرة المحققة لذاتها بتنشئة أبنائها بأن يكونوا قادرين على عيش السعادة لكل أفرادها، وهذا الأمر يتحقق اليوم عبر التأهيل والتدريب السابق للزواج، بما ينعكس بحياة إيجابية عليهما، من خلال مبدأ التّوضيح لأبنائهم، ومن التمكن من أساليب الاختيار لكل ما يتصل بالمستقبل، وأهم ما في الأمر الالتزام والوعي المتمثل بضرورة الوعي بالاختلافات بين الرجل والمرأة، الوعي بالمسؤوليات المنتظرة من جراء الاختلاف في ظروف التنشئة والنظرة إلى الحياة،  المتمثلة بالميول والطباع وطرائق التفكير، حتى تتحقق الغاية من اقترانهما بعقد حياة زوجية مشتركة.

أما اتخاذ قرار بعدم الارتباط الزوجي، بعد تعثر توافق الطباع وتكامل الصفات، فهو أمر ومسعى حضاريين، يستحق كل العناية والجدة.

إن قرار الزواج مسؤولية شخصية مجتمعية من خلال الإعداد الجيد لمعرفة الاهداف المنتظرة من كلا الجنسين، فالزوجان اللذان يتقاربان في علاقة أسرية يتطلعان أن يكونا متكاملين متعاضدين تجاه كل الظروف والعقبات، لن يتمكنا من أن يكملا حياتهما معاً، أو سوف  تكون مسيرتهما الأسرية صعبة للغاية، بسبب عدم وضوح الأدوار بينهما وعدم وضوح مبادئ وقيم كل منهما للآخر، وإن أتت الأمور خلاف ذلك فقد يؤدي في النهاية إلى انهيار الكثير من الأسر.

 أما في حال أن كل طرف منهما يرى رؤيته هو هي الأنسب، ويعتقد دائماً أنّه على صواب، وأنّ الآخر على خطأ.. فهذه الخاصية تعدّ من أولى علامات الفشل في العلاقة الزوجية، وعندما يقع الخلل في هذه النقطة تقع المشكلات وتكثر الخلافات.

العدد 1105 - 01/5/2024