هجمة بروباغندا الحرب الباردة

 أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية القوة الرأسمالية المهيمنة، واشتدت البروباغندا المناصرة المعادية للشيوعية والمعادية للسوفييت. وجرت أبلسة ستالين، بصفته تجسيداً لكل من الشيوعية والقوى السوفييتية، بطريقة اعتدنا عليها أكثر في الأعوام الأخيرة. صار الآن ديكتاتوراً لا نظير له، وحتى أسوأ من هتلر، قيل لنا تكراراً إن الناس في روسيا وأوربا الشرقية عاشوا في خوف طوال الوقت. يمكن أن تقبض عليهم الشرطة السرية بلا سبب وفي أي وقت.

قيل لنا إن (الناس في روسيا كان عليهم الحصول على إذن كي يذهبوا للتسوق)، وبعد سنوات قيل لنا بكل جدية إن الدراجة البخارية المنخفضة (سكودا) صُنعت (بعمل الرق) جرى تشجيع ذلك الهوام الدال على الجهل، بتعمد وكرر بلا نهاية من كل مصدر ممكن إلى أن أصبح في آخر الأمر مقبولاً تحقيقه، مع أنه يتحدى حتى الفطرة السليمة.

اختار ذلك العدد الكبير من الناس، خصوصاً في الولايات المتحدة، ولكن كذلك في البلدان الغربية الأخرى، المستخدمين في إنتاج بروباغندا الحرب الباردة أبلسة ستالين، لأنه جسّد عدوهم الإيديولوجي، لذلك كان مفيداً لهم في ذلك الوقت الدور الذي ثابروا عليه حتى بعد وفاته.

كان هناك وقت صفقت فيه الجماهير الغربية بصورة عفوية عندما شاهدت صورة ستالين في جريدة السينما، ولكن عقوداً من الأبلسة المستمرة حققت هدفها، وأصبح أشخاص مثقفون يشيرون إلى ستالين في هذه الأيام كـ(ديكتاتور) و(مسخ) بلا كلل. أعلنت مقالة حديثة في (نيوز ويك) الأمريكية بلا خجل: (لا يوجد عدد مقبول عموماً للأشخاص الذين ماتوا بسبب سياسات ستالين في الاتحاد السوفييتي، تتراوح التقديرات بين أكثر من مليون لتصل إلى ستين مليوناً).

هل سمعتم؟ ستون مليوناً! هذا أكثر من ضعف الأشخاص الذين فقدهم الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية.. بعض هذا العدد الضخم يشمل ضحايا الجوع في جنوب الاتحاد السوفييتي (المذكور في عدد النور بتاريخ 16 آذار 2016)، ولكن لوم ستالين من بين كل الناس عن ذلك الجوع هو عمل قذر، إلا أنه واجب الآن بين المؤرخين البرجوازيين.

في عام ،1959 أي بعد ثلاثة أعوام من وفاة ستالين (استُقبلت وفاته بحداد عام عفوي في الاتحاد السوفييتي)، بدأ نيكيتا خروشوف صراعاً من أجل القيادة الأيديولوجية للحزب الشيوعي السوفييتي مع أعضاء مخلصين لخليفة ستالين المختار أميناً عاماً، جورجي مالينينكوف (الذي أزاحه خروشوف في انقلاب قصر)، وبدلاً من مهاجمة سياسات مالينكوف، حدد خروشوف خصومه بـ(الستالينيين) وتقدم لمهاجمة ستالين نفسه.

احتل خروشوف منصب الأمين العام للحزب الشيوعي السوفييتي، وبناء على ذلك امتلك سلطة هائلة إلى جانب احترام الحركة الشيوعية العالمية. ألقى خطابه الذي شجب فيه قيادة ستالين السابقة في جلسة مغلقة في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي، ولكنه تسرب بشكل غريب على الفور تقريباً إلى الإعلام البورجوازي في كل مكان. كان ذلك يوماً مشهوداً للإعلام البورجوازي بفضل (الخطاب السري) الشائن لخروشوف. ها هـــــــــو ذا ستالين تجسيد الشيوعية (بمقدار ما يهمهم الأمر) يهاجَم من قبل القائد الشيوعي الأهم في العالم في ذلك الوقت.

رأى دعاة الرأسمالية فرصتهم، صار ستالين الآن نقطة ضعف وهاجموه بشدة، وشُتمت الأحزاب الشيوعية عموماً بالضراوة نفسها. عالمياً توقفت درجة التمزق الذي سببه خروشوف إلى حد كبير على التطور الأيديولوجي لكل حزب شيوعي. رفض الحزب الصيني موقف خروشوف كلية، ما سبب انشقاقاً جدياً في الحركة العالمية، وكانت هناك انشقاقات أصغر في عدد من الأحزاب الأخرى  اصطف معظم الأحزاب وراء خروشوف ومارست قياداتها اجتثاث (الستالينيين) الباقين، ولسنوات عديدة لم يذكر أحد اسم ستالين في ورقة.

ذكرت الصحف في ذلك الوقت بعد خطاب خروشوف أن أرملة تروتسكي حزمت حقائبها منتظرة دعوة من الكرملين كي تعود ظافرة إلى موسكو، ولكن هذه الدعوة لم تقبل أبداً.

بمرور الأعوام ضمت الحركة الشيوعية صفوفها بعد التمزق الذي سببه خروشوف، وتمكنت بنجاح من إعادة تأكيد دورها في الصراع الطبقي، تمكنت من تجاهل وحتى صد هزء التروتسكيين (وكذلك مجابهة الناطقين باسم الرأسماليين).

تحرك الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي في عهد بريجينيف ببطء وحذر، لعكس التمزق الخروشوفي وإعادة ستالين إلى مكانه المناسب في السجل السياسي والتاريخي للبلد.

مات بريجينف وجاء غورباتشوف الذي كرر ما فعله خروشوف، وشجب ستالين ثانية كي يسكت نقاده ضمن قيادة الحزب الذين أيد معظمهم التحركات لرد الاعتبار لسمعة ستالين. واليوم بوتين هو هدف هجمات البروباغندا الغربية التي تتهمه بـ(الحنين السوفيتيي) الذي يعتقد الغرب بوضوح أنه شيء سيئ. يبدو أن بوتين لا تعيقه هذه الهجمات، عندما اقتربت ذكرى غزو هتلر للاتحاد السوفييتي أرسل بوتين موجات صادمة عبر الولايات المتحدة وبقية العالم الرأسمالي، باقتراحه بناء نصب تذكاري للنصر بشكل تمثال ضخم لستالين على الحدود الشرقية القصوى لروسيا، ناظراً نحو أوربا الغربية، لم ينطلق في تنفيذ ذلك، ومن المحتمل أنه كان لمجرد إثارة أعداء روسيا.

وهكذا بقينا مع (ستالين الديكتاتور المسخ) الصيغة ذات المنشأ الإمبريالي، مدعومة الآن بكومة هائلة من الأكاذيب والتحريفات وبأعمال مؤرخين بورجوازيين محترمين لا يعرفون ببساطة أي شيء أفضل، لأنهم سواء علموا ذلك أم لم يعلموا عاجزون عن التغلب على ولاءاتهم الطبقية ورؤية الأمور من منظور الطبقة العاملة.

في روسيا اليوم، يُصدم المعلقون الأمريكيون لرؤية عدد متزايد من الناس يعتبرون أن ستالين كان قائداً عظيماً، فقد رأى خمسون في المئة من المجيبين في استطلاع للرأي أجراه مركز دراسة الرأي العامة روسيا في آذار 2005 أن دور ستالين كان إيجابياً في التاريخ الروسي (مجلة فبروست البولونية في 10 نيسان 2005)، والنتيجة نفسها ذكرتها صحيفة (ديلي تلغراف) البريطانية (الحياة في 27 شباط 2006).

العدد 1105 - 01/5/2024