أيباك والإمبريالية وانتخابات 2016 في الولايات المتحدة

 ما من شيء يعمل بارومتراً للسياسة في الولايات المتحدة مثل الموقف من النضال الفلسطيني من أجل تقرير المصير، لقد كشفت حياة الفلسطينيين، من خلال الدم والعرق والدموع أو الإكراه على ترك وطنهم، نفاق الإمبراطورية.

ترسل الولايات المتحدة أكثر من ثلاثة مليارات دولار إلى دولة إسرائيل الصهيونية، في كل عام، وهذا التمويل يخدم خنق الشعب الفلسطيني. ترى إسرائيل أن وجودها يعتمد بدرجة كبيرة على الولايات المتحدة، ولذلك ليس من الغرابة أن يكون المؤتمر السنوي للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، اللوبي الأول ومروّج المصالح الإسرائيلية في الولايات المتحدة، مقصد المرشحين الرئاسيين. وصفت انتخابات هذا العام بـ(انتخابات المتطرفين) لأن السيادة البيضاء الصريحة عند ترامب، و(اشتراكية) ساندرز بدأتا توسيع الاستقطاب السياسي في الولايات المتحدة.

وقفت كلينتون، التي توصف بالديمقراطية (المعتدلة) بفخر إلى يمين ترامب، الديماغوجي اليميني، بزعمها أنها (ستناصر) فعلاً إسرائيل، خلافاً لترامب الذي زعمت أنه يظل حيادياً، كان خطاب كلينتون موالياً لإسرائيل لدرجة أنها دعت إلى مقاومة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، كما كتبت في العام الماضي إلى رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبيرة: علينا أن نتحد في مقاومة هذه الحركة: (واصِلوا التكلم جهاراً، لا تدعوا أحداُ يسكتكم أو يتنمّر عليكم أو يحاول إغلاق النقاش، خصوصاً في أماكن التعليم مثل الكليات والجامعات)، كانت هذه دعوة حقاً من المتقدمة في سباق الديمقراطيين لسحق حركة المقاطعة.

ترامب هو خلاصة الرأسمالية والسيادة البيضاء والإمبريالية وليست صقريته مفاجأة، أما جاذبيته بالنسبة للوبي الإسرائيلي فتكمن إلى حد كبير في وعده بتمزيق الاتفاقية بين الولايات المتحدة وحلفائها، وإيران، من الواضح أن رئاسة ترامب ستواصل تقوية الجيش المتعطش للحرب.

كان ساندرز المرشح الوحيد الذي لم يظهر في أيباك، وأعلن أن حملته الانتخابية في الغرب حالت دون ظهوره شخصياً، ورفض منظمو أيباك طلبه أن يتحدث عبر شريط فيديو، وعندئذ أصدر ساندرز نصاً مكتوباً، أعلن فيه التزامه بإسرائيل والاحتلال الاستعماري المستمر لفلسطين، وكانت إحدى الملاحظات الافتتاحية لساندرز: (إسرائيل أحد أـقرب حلفاء أمريكا ونحن كشعب ملتزمون ليس فقط ببقاء إسرائيل، بل كذلك بالتأكد من أن شعبها يملك الحق بالعيش في سلام وأمن). وأوضح في خطابه أن مقاربة إدارة أوباما الشرق أوسطية الحالية، بقيادة الجناح الأكثر (عقلانية) من الطبقة الحاكمة، هي المقاربة الأفضل.

ويجدر في الوقت نفسه ذكر أن ساندرز، خلافاً لأي مرشح آخر تكلم في المؤتمر أو خاطب أيباك في التاريخ الحديث، خصص جزءاً كبيراً من حديثه للحاجة إلى احترام حقوق الفلسطينيين، فأشار إلى حقهم في الماء والحاجات الإنسانية الأساسية ووقف الاستيطان غير الشرعي الذي تنفذه إدارة نتنياهو.

إن مجرد الاعتراف المعتدل بالحقوق الأساسية للفلسطينيين يعد شيئاً استثنائياً وسط الحمى العنصرية للغاية والمعادية للفلسطينيين والموالية لإسرائيل التي تهيمن على سياسة البورجوازيين في الولايات المتحدة، ومع ضرورة الاعتراف بأهمية ملاحظات ساندرز هذه، إلا أنه لم يدعُ إلى دعم حق الفلسطينيين أو شعوب الشرق الأوسط في تقرير مستقبلها بعيداً عن براثن الإمبراطورية الأمريكية.

يدرس الشيوعيون في الولايات المتحدة عن كثب اللحظة السياسية التي يوجدون فيها، وتشجعهم رؤية تجاوب جماهير الطبقة العاملة من كل الخلفيات، وخصوصاً الشباب، مع حملة ساندرز، والنقاش الواسع المنبعث حول الاشتراكية، كما أن التصدي المتزايد لترامب والفاشية الصاعدة التي يمثلها مؤشر إلى انتصار محتمل في الفترة القادمة. يطالب عدد متزايد من الناس في الولايات المتحدة بتغيير منهجي وليس بالمزيد من الخطب الفارغة، إن الجمهوريين والديمقراطيين من ترامب إلى كلينتون إلى ساندرز، ملتزمون بلبّ المصالح الإمبريالية الأمريكية في العالم، يريدون جميعاً الحفاظ على ما أثبتت حيوات لا تحصى من الفلسطينيين أنه لا إنساني وظالم، الشيوعيون يقولون: (إنهاء الاستعمار الإسرائيلي، عاشت فلسطين، لتخرج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط)!

العدد 1105 - 01/5/2024