هل ستتخلى الولايات المتحدة عن «إسقاط الدولة» السورية؟

 في 27 آذار دحر الجيش العربي السوري تنظيم داعش الإرهابي من تدمر واستعاد المدينة التاريخية، وهذا انتصار مهم بكل المعايير. ملأت تدمر الأخبار منذ أيار 2015 عندما سيطر عليها داعش، اجتذبت تدمر الاهتمام العالمي بالدرجة الأولى بسبب تدمير داعش مواقعها التاريخية.. إن استرداد تدمر انتصار استراتيجي آخر لسورية.

دور روسيا

بدأت روسيا في أيلول 2015 المساهمة في محاربة التنظيمات الإرهابية في سورية، وتقديم الدعم الجوي للجيش العربي السوري الذي حقق تقدماً على جبهات عديدة. أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 15 آذار الماضي بالتنسيق مع القيادة السورية عن سحب الجزء الرئيس من القوات الجوية الروسية من سورية. قال بوتين: إن روسيا حققت أهدافها الاستراتيجية في سورية.. بدا الإعلان في ذلك الوقت وكأنه يشير إلى نقطة انعطاف في الحرب، ولكن المعركة من أجل تدمر أثبتت الدور الفعال المستمر لروسيا.

من الواضح أن روسيا تواصل حملتها الجوية ضد الإرهاب في سورية، إسهامها الرئيس في دعم الدولة السورية.. أعاد دور روسيا العسكري ضد الإرهاب تأكيد دورها الدولي، ولاسيما بسبب الدور الحاسم الذي لعبته في ميزان القوى في الحرب على الإرهاب. روسيا بلد يريد أن يُنظر إليه كشريك ومساو للقوى الإمبريالية الأوربية الغربية والولايات المتحدة، ولكن بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تريد الإمبريالية الغربية تحجيم روسيا إلى دور بلد (عالمثالثي). تريد روسيا إعادة تأكيد نفسها وإجبار القوى الإمبريالية على الاعتراف بها قوة رئيسية، وبصفتها تلك تريد روسيا الدخول في صفقات وتفاهمات مع الولايات المتحدة.

وقف الأعمال القتالية وآفاق إنهاء الحرب

خلافاً لمعظم التوقعات صمد إلى حد كبير وقف الأعمال القتالية الذي دخل حيز التنفيذ في 27 شباط، لا يشمل وقف الأعمال القتالية بالطبع داعش أو جبهة النصرة، فرع (القاعدة) في سورية.

لعب الدعم من إيران وروسيا وكذلك الدعم في جبهة القتال من المقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله دوراً محورياً في مساعدة الجيش العربي السوري على القتال، على جبهات متعددة ضد داعش وجبهة النصرة وعدد كبير من الميليشيات الأخرى. إن الإرهابيين المدعومين من الولايات المتحدة على الرغم من تسليحهم من قبل الولايات المتحدة والدول الزبونة السعودية وقطر والإمارات وتركيا والأردن، قد منوا بهزائم كبيرة في الأشهر الأخيرة.

إن كون سورية في حالة حرب منذ خمسة أعوام هو نتيجة سياسة الولايات المتحدة، فبعد إطاحة منظمة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة بالدولة القومية في ليبيا في عام ،2011 انتهزت إدارة أوباما الفرصة كي تنفذ سياستها الطويلة الأمد ضد سورية، وكما (أبلست) آلة البروباغندا الإمبريالية القذافي، جرت (أبلسة) الحكومة السورية، وتوقع الكثيرون (سقوط) الدولة السورية نتيجة تدخل الولايات المتحدة، سواء بشكل قصف مباشر، أو تمويل المجموعات المسلحة وتسليحها وتدريبها وتنظيمها.

أعلنت الولايات المتحدة أنه (يجب أن ترحل الحكومة السورية)، ومن خلال مملكتي الخليج الرجعيتين السعودية وقطر، تدفقت الأسلحة والأموال إلى المجموعات المسلحة، وحوّلت الدولتان المجاورتان لسورية وزبونتا الولايات المتحدة تركيا والأردن مناطقهما الحدودية إلى ساحة تدريب لهذه المجموعات المسلحة تحت تسمية (معارضة مسلحة).

إخفاق السياسة الأمريكية

ولكن عندما تداعت في آخر الأمر خطة أوباما لقصف سورية في خريف عام 2013 تحطم الحلم الأمريكي بـ(استبدال) الحكومة السورية بدولة (زبونة) في سورية، ويعني بروز داعش واستيلاؤه على أجزاء واسعة من كل من العراق وسورية إخفاق السياسة الأمريكية.

تفتقد سياسة الولايات المتحدة في سورية لهدف واقعي، فمن جهة تريد الولايات المتحدة (إزاحة) الحكومة، ومن جهة أخرى البديل الواقعي للحكومة هو داعش وجبهة النصرة.

إن من تعدهم الولايات المتحدة مسلحين معتدلين، هم في الحقيقة الإرهابيون (الجيدون) من منظور واشنطن، هم أولئك الراغبون في دخول تحالفات تكتيكية مع الولايات المتحدة، ولكن (المتمردين المعتدلين) على الأرض كانوا في تحالفات إقليمية ومحلية مع (النصرة) التي يشاركونها معتقدات أساسية من الأيديولوجيا المتطرفة نفسها.

إن الحرب على سورية تقول إن تدمير سورية جريمة أخرى من جرائم الحكومة الأمريكية ضد شعوب الشرق الأوسط، كان تدخل الولايات المتحدة أقل مباشرة، ولكن النتائج كانت مأسوية في التدمير لتدخلها في العراق وليبيا. تظل مهمة الحركة المناهضة للحرب معارضة كل أشكال التدخل الأمريكي في سورية.

عن جريدة (ليبريشن) الأمريكية

العدد 1105 - 01/5/2024