باحثو الكونغرس يكشفون خطط واشنطن بشأن سورية (1)

كشفت الوثائق التي أعدّها باحثو الكونغرس الأمريكي منذ عام 2005 أن الحكومة الأمريكية كانت تفكر ملياً بـ(تغيير النظام) في سورية قبل اضطرابات ما سمّي (الربيع العربي) في عام ،2011 وتحدّت هذه الوثائق الرأي القائل بأن الولايات المتحدة تدعم المتمردين السوريين على أساس الولاء لـ(هبّة ديمقراطية).

وأظهرت أن السلوك الأمريكي هو امتداد لسياسة طويلة الأمد ترمي إلى (إسقاط) الحكومة في دمشق، وأوضح الباحثون في الحقيقة أن دافع الحكومة الأمريكية لـ(الإطاحة) بالحكومة السورية لا علاقة له بتعزيز الديمقراطية في الشرق الأوسط (ألفريد بي برادوس، وجيريمي إم شارب- سورية: الظروف السياسية والعلاقات مع الولايات المتحدة بعد حرب العراق، خدمة بحوث الكونغرس في 28 شباط 2005). كان الدافع وراء السعي لـ(تغيير النظام) وفقاً للباحثين، هو الرغبة في إزالة عائق أمام تحقيق أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ذات الصلة بتقوية (إسرائيل) وتعزيز الهيمنة الأمريكية على العراق وتشجيع الاقتصاد الحر، ولم تؤخذ الديمقراطية أبداً بعين الاعتبار.

 كشف الباحثون بعد ذلك أنه جرى التفكير بغزو قوات أمريكية لسورية بعد العدوان الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في عام ،2003 ولكن العبء الثقيل غير المتوقع في تهدئة العراق استبعد الهدر الإضافي للدم والمال في سورية (برادوس وشارب). وكبديل للتدخل العسكري المباشر من أجل (إسقاط) الحكومة السورية، اختارت الولايات المتحدة الضغط على دمشق من خلال عقوبات،  ودعم المعارضة الداخلية السورية.

كشفت الوثائق أيضاً أن الحكومة الأمريكية أدركت قبل نحو عقد من صعود (داعش) و(جبهة النصرة) أن الأصوليين الإسلامويين كانوا المعارضة الرئيسية للحكومة العلمانية السورية، وقلقت من تمرد إسلاموي آخر قد يقود الأصوليين التكفيريين إلى السلطة في دمشق. وتصف وثيقة أحدث لباحثي الكونغرس استراتيجية الولايات المتحدة التي تسعى إلى تجنّب تولّي الإسلامويين السلطة من خلال فرض حل تفاوضي يتم وفقه الاحتفاظ بالوظائف الشرطية والدفاعية والقضائية والإدارية للدولة السورية، في حين تُرغم القيادة وأنصارها القوميون العرب على الرحيل، وإذا تم هذا السيناريو حتى النهاية فمن المحتمل أن يحل محل القيادة وكلاء طيّعون للولايات المتحدة راغبون في تحقيق الأهداف الأمريكية.

ذكر باحثو الكونغرس في عام 2005 أن إجماعاً قد نشأ في واشنطن حول الحاجة إلى إحداث تغيير في سورية، ولكن ظلت هناك انقسامات حول الوسيلة التي يمكن بها تفعيل التغيير، قال التقرير: (دعا البعض إلى عملية إصلاح داخلي في سورية أو، كبديل، استبدال النظام السوري الحالي)- المصدر السابق. بغض النظر عن النهج الذي تختاره واشنطن، كان واضحاً أن الحكومة الأمريكية مصممة على تغيير النظام السياسي في دمشق.

وصفت الوثيقة الحكومة السورية بأنها عائق أمام (تحقيق أهداف الولايات المتحدة في المنطقة)- المصدر السابق. وقد جرى تحديد هذه الأهداف: حل (النزاع العربي- الإسرائيلي)، ومحاربة (الإرهاب الدولي)، وتقليص (انتشار الأسلحة)، وتدشين (دولة عراقية مسالمة وديمقراطية ومزدهرة)، وتشجيع الاقتصاد الحر المستند إلى السوق (المصدر السابق).

إذا عُرّيت أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من كلماتها الأنيقة فإنها ترقى إلى مطلب استسلام دمشق أمام السيطرة العسكرية لـ(إسرائيل) والسيطرة الاقتصادية لوول ستريت، وهذا يعني أنه كي تكف عن كونها عائقاً أمام تحقيق أهداف الولايات المتحدة، ومن ثم هدفاً لعداء الولايات المتحدة، يتعين على سورية:

1- قبول حق (إسرائيل) بالوجود كدولة يهودية على أرض استولت عليها من الفلسطينيين، وربما السوريين واللبنانيين أيضاً، وربما أيضاً ضمن حدود تشمل مرتفعات الجولات المحتلة من قبل (إسرائيل) منذ عام 1967.

2- إنهاء دعمها للجماعات النضالية الساعية إلى تجسيد حق تقرير المصير الفلسطيني وقطع علاقاتها مع حزب الله المقاوم والحصن الرئيسي ضد توسع (إسرائيل) باتجاه لبنان.

3- ترك نفسها بلا دفاع فعلي ضد اعتداءات الولايات المتحدة وحلفائها الشرق أوسطيين، ومن ضمنهم (إسرائيل)، وذلك بالتخلي حتى عن القدرة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل (في حين تسلم بحق (إسرائيل) والولايات المتحدة الاحتفاظ بترسانات ضخمة من أسلحة الدمار الشامل).

4- إنهاء معارضتها لهيمنة الولايات المتحدة على العراق.

5- تحويل ما سماه باحثو الكونغرس بالاقتصاد السوري المملوك بشكل رئيسي للقطاع العام، (وما زال يعتمد إلى حد كبير النماذج السوفيتية) (المصدر السابق) إلى مجال استغلال للشركات والمستثمرين الأمريكيين.

يمكن إذاً ترتيب اعتراضات الحكومة الأمريكية على السياسية السورية تحت ثلاثة عناوين محددة أمريكياً:

أ- الإرهاب.

ب- أسلحة الدمار الشامل.

ج- الإصلاح الاقتصادي.

وتترجم هذه العناوين إلى:

أ- دعم فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية.

ب- الدفاع عن النفس.

ج- السيادة الاقتصادية

«يتبع»

 

 

العدد 1105 - 01/5/2024