تحليل في « رؤية المملكة السعودية 2030» (2)

إن الطروحات الجذابة والمثالية التي طرحها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في (رؤية المملكة 2030) دونها العديد من العقبات. فالاقتصاد السعودي بذاته هش للغاية، وهو غير محصّن تجاه تغيرات سوق الطاقة العالمي، ورفع الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% والانتهاء من الاعتماد على النفط بحلول عام 2020 كما نصت هذه الرؤية، أي بعد أربع سنوات فقط تبدو ضرباً من الخيال، مع اعتبار أن النفط يشكل حالياً 90% من إيرادات الخزينة السعودية. وتأتي مسألة رفع أصول الصندوق السيادي السعودي من 600 مليار إلى 7 تريليونات دولار، مشكلاً حوالي 10% من القدرة الاستثمارية على وجه الكرة الأرضية، وذلك من شأنه أن يتحكم بالوجهة الاستثمارية للاقتصاد العالمي، فهو غريب جداً.

ومن البديهي أن العالم الغربي ودول شرق آسيا لن ترضى أن تنفرد دولة بمثل هذه القوة الاقتصادية. أكثر من ذلك، هناك اكثر من تريليون دولار من أصول الصناديق السيادية السعودية موجودة في الولايات المتحدة وأوربا، حتى أنه يوجد قانون في الولايات المتحدة يعود إلى أيام الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر، صدر عام 1977 يجيز للرئيس الأمريكي في حال الطوارئ تجميد أصول الصناديق السيادية الأجنبية على أراضي الولايات المتحدة عند الضرورة، كما تشير بعض المصادر الغربية إلى أن عدداً من الصناديق السيادية قد جفت نتيجة الحرب على اليمن .

تطرق ولي ولي العهد ايضاً إلى موضوع التخصيص واعتبر أن التخصيص سيحد من درجة الفساد في المملكة العربية السعودية، في حين تشير معظم التجارب في العالم الثالث، إن لم نقل كلها، إلى أن الخصخصة قد أدت إلى زيادة الفساد ونشوء طبقة رأسمالية مرتبطة بطريقة سرطانية بمؤسسات القرار والقوى السياسية الحاكمة في تلك الدول متعايشة معها على حساب الطبقات الاجتماعية الأخرى. وفي السعودية حيث الفارق الطبقي حاد وقطعي بين طبقة الأمراء والمنتفعين من حولهم، وبقية الشعب السعودي الرازح تحت الكثير من المصاعب، تأتي الخصخصة للكهرباء والمياه وغيرها من الميزات القليلة التي يتمتع بها المواطن السعودي بمثابة ضربة تهدد هذا المجتمع بالانفجار.

تجاوز ولي ولي العهد ما هو نمطي في الخطاب السعودي، ودخل في مسائل عميقة من الصعب تنفيذها، لاصطدامها بتشوهات اجتماعية وعقائدية وسياسية في النظام الاجتماعي والسياسي للمملكة، على سبيل المثال طموحه في نقل الرأسمال الاجتماعي في المملكة من المرتبة 26 إلى المرتبة العاشرة عالمياً، وهذا غير ممكن عملياً في مجتمع متدين ومحافظ له نظرة سلبية للغاية نحو المرأة. رفع مؤشر الثقافة والترفيه للمجتمع السعودي من 9,2 %الى 6% أيضاً هذا غير ممكن عملياً بسبب المواجهة المحتملة مع المبادئ الناظمة لعادات المواطن السعودي المحافظة. رفع فعالية أداء الحكومة السعودية من المرتبة 80 إلى 20 عالمياً، وهذا غير ممكن بسبب الطبيعة الابتلاعية للدولة من قبل المصالح الاستثمارية والمالية للأمراء في السعودية.

وحول التغيرات الاقتصادية التي يمكن أن نعتبرها غير منطقية أبداً في هذه الرؤية: رفع الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار إلى تريليون دولار سنوياً. رفع عدد الحجاج المسلمين من 8 ملايين إلى 30 مليوناً سنوياً!. رفع فعالية الحكومة السعودية (المُعينة أميرياً) من المرتبة 80 إلى المرتبة 20 عالمياً!. وقول ولي ولي العهد حرفياً بأنه سيضع المملكة السعودية في نطاق( أقل دول العالم فساداً)، والتساؤل هنا هل يمكن أن تسمح العائلة الحاكمة وبضمنها هو نفسه الأمير محمد بن سلمان ووزراؤه وقادته العسكريون ورجال دينه المطواعون بأن تطولهم العدالة؟ وهل سيكون هناك مساءلة فعلية لهم حول من أين جاءت ثرواتهم؟ وكيف يبذرونها؟ ومن أين يحصلون عليها؟.

لقد فرضت حرب الأسعار التي أطلقتها المملكة العربية السعودية على إيران وروسيا واقعاً جديداً، يحتم عليها أن تخرج منه بالسرعة الممكنة. إن موضوع أسعار النفط وآليات العرض والطلب هو ليس اقتصادياً بحتاً، بل له جانب سياسي هام من حيث أنه مؤشر للصراعات الدولية. إن الخسارة التي فرضتها المملكة على السوق النفطية هي ليست انخفاض الإيرادات النفطية فقط، بقدر ماهي المنعكسات الاستراتيجية لإدارة السوق على المديين المتوسط والبعيد، بحيث أن سوق العرض والطلب ليس صاحب قرار، بل مُنفعل بصراعات دولية تؤدي إلى نتائج تبدو كما لو أنها قرارات. وهو ما ينطبق حالياً على قرار المملكة بتبني مشروع (رؤية المملكة 2030).

هنا يمكن أن نربط زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المتواقتة تقريباً مع إعلان هذه الرؤية. فالولايات المتحدة تعلم أكثر من غيرها أن الرياض قادمة في السنوات المقبلة على مرحلة خطيرة للغاية. الولايات المتحدة والعالم لم يعودا بحاجة إلى نفط المملكة كما في السابق. 70% من سكان المملكة هم من الشباب، وفرص العمل لهذا الرقم الهائل تبقى محدودة. المملكة بدأت بسياسة الاقتراض، وسوف تقترض في الأسابيع المقبلة من مَصدَرين اثنين ما يقارب 30 مليار دولار. مجلة (فورين بوليسي) تقول إن حرب اليمن تجبر السعودية على سحب 12 إلى 14 مليار دولار شهرياً من احتياطياتها. الولايات المتحدة-ويبدو هذا غريباً- تحاول جاهدة حماية المملكة العربية السعودية من نفسها. لأنه إذا حدث أن انتفض الشعب السعودي فإنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تُقدِّمَ أمريكا أي مساعدة عسكرية أو لوجستية لحماية النظام السعودي من شعبه.

العدد 1105 - 01/5/2024