ما الذي يجمع بين الصهيونية و«داعش»؟!

تجمع داعش والكيان الصهيوني أطر وعوامل مشتركة رغم الفارق الزمني بين ظهورهما، بمعنى آخر ثمة مشتركات بين الصهيونية والداعشية يغذيها بناء ديني وعقدي عنفي يتطابق في سياقات عديدة، فالظروف التاريخية التي رافقت احتلال فلسطين من قبل العصابات الصهيونية، تلتقي مع حقبة الفوضى والاضطراب التي يمر بها الوطن العربي حالياً.. فما هي هذه العوامل المشترك؟ أو بالأحرى ما هو أبرزها؟

1- فكرة الاصطفاء اليهودي المعروفة والمزعومة طبعاً، يقابلها الاصطفاء الإسلاموي الخلافي (أي الخلافة الإسلامية) لدى داعش، أرض الميعاد، هي الأسطورة التي انطلقت منها الصهيونية حين زعمت أن لها الحق في الأرض العربية في فلسطين والعودة إلى صهيون: ميراث الأجداد المحرم على أي يهودي في العالم التفريط به، ولما في ذلك من مخالفة تستوجب غضب الرب الذي وعد إبراهيم ونسله بهذه الأرض، بالمقابل تنطلق داعش – كما أشرنا- قبل قليل من فكرة أرض الخلافة في العراق والشام، وبالتالي مقابل الأصولية اليهودية المتطرفة، توجد الأصولية الداعشية السلفية المتطرفة، وكلاهما يعمل على تطهير ديني بحق السكان والجماعة المخالفة لهما.

2- فكرة التوسع.. فالمشروع الصهيوني مشروع عنصري توسعي استيطاني لا يضع حدوداً جغرافية له، مملكته اليهودية من النيل إلى الفرات، كذلك التوسع الجغرافي لداعش لا حدود له ولجغرافيته، فأرض الله حدوده، وهو يتوعد الدول بالتمدد إليها لتطهيرها من الكفار والطواغيت، بعد أن رسم هذا التنظيم الإرهابي خريطته المفترضة في المناطق التي احتلها في سورية والعراق. ومثلما دعا هرتزل اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، دعا أبو بكر البغدادي المسلمين إلى الهجرة إلى أرض الخلافة.

3- الاستناد إلى فكرة تطهير الأرض المستولى عليها تحت ذرائع دينية.. لقد قامت عصابات الموت الصهيونية (هاغانا) وغيرها قبل إعلان قيام دولة إسرائيل بقتل آلاف الفلسطينيين وتهجير مئات الألوف وتشريدهم من ديارهم، واستولت على مساكنهم وممتلكاتهم، وبنت المستوطنات مبتدعة أسلوب (السور والبرج) لبناء المستوطنات في يوم واحد، وارتكبت المذابح (مثل مذابح الدوايمة، يازور، خان يونس الأولى والثانية) كل ذلك بين عامي 1948 و1967.

هذه الآلية من القتل والترهيب والتطهير ارتكبتها عصابة داعش وماتزال، فقتلت من قتلت وشردت الآلاف من ديارهم، معتمدة على نشر أفكارها من خلال وسائل الإعلام مع تصوير عمليات القتل وبثها على المواقع الإلكترونية بتقنية عالية في التصوير والإخراج، إلى جانب انتهاك سيادة الدول والجيوش.. وهذا الأسلوب ما هو إلا تطبيق لما جاء في كتاب (إدارة التوحش.. أخطر مرحلة ستمر بها الأمة) للمنظّر السلفي الجهادي الملقب أبو بكر ناجي (اسم حركي)، فقد أشار في كتابه إلى أن نجاح إقامة دولة الخلافة يتطلب عدم التقية والمجاهرة والحسم واستخدام وسائل الإعلام في إظهار عدالة القضية وبطش القائمين عليها!

4- تسويق فكرة إقامة الدولة (دولة الكيان الصهيوني ودولة الخلافة) عبر الترهيب. داعش تسعى إلى تسويق (دولة الخلافة) اعتماداً على مبدأ (الموالاة الإيمانية بين عدة مجموعات إرهابية تتمثل في عقد مكتوب بالدماء، حسبما نص عليه كتاب (إدارة التوحش). وإسرائيل تسعى الآن إلى الإعلان عن يهودية الدولة بعد أن سوقت إلى حين ولعقود مضت أنها الدولة الديمقراطية في محيط عربي إسلامي، حسب زعمها.

إذاً هناك تلاق بين دولة الخلافة والدولة اليهودية يعزز نشوء النزعات المذهبية والتفكيكية، وفي هذا السياق يشير الكاتب العراقي فاضل الربيعي في مقالته بعنوان (متلازمة الدولة اليهودية والدولة الإسلامية في العراق والشام) كما تسمى، يشير إلى أن بقاء داعش وتمددها لم يعد مجرد صراع بين الدولة في العراق وجماعة إرهابية متوحشة، بل بات يرتبط بمشروع ظهور الدولة اليهودية، أي أن داعش هي حاجة أمريكية – إسرائيلية لتبرير وجود الدولة اليهودية.

ويوضح الكاتب موضوع التماثل في مضمون استراتيجية التوحش التي أدت لولادة إسرائيل والتي تؤدي هذه الأيام إلى ولادة نظيرتها داعش، فكلاهما قام على أساس استراتيجية التوحش وممارسة أقصى درجات العنف وارتكاب المجازر المروعة ضد المدنيين الأبرياء من مختلف الأديان والأعراق والمذاهب من دون تمييز، وبدعاوى دينية شديدة التزمت. كما يشير الربيعي إلى نقطة هامة وهي أن انسحاب البريطانيين من فلسطين أدى إلى ولادة إسرائيل، وأدى الانسحاب الأمريكي من العراق إلى ولادة داعش في الموصل العراقية والرقة السورية.

5- المشترك الخامس بين إسرائيل وداعش هو أنهما لا يتقبلان وجود أحد غير اليهود والدواعش، ومن هنا انبثق أسلوب وجوب إفراغ الأرض ومن عليها. فالتوراة أعطت اليهود خيار التفريغ هذا حسب زعم أساطيرهم الخرافية، وداعش تمارس وتطبق فكرة الاصطفاء الإسلاموي الخلافي التي لا تقبل مشاركة أحد من مخالفيها (دينياً ومذهبياً وعقدياً وسياسياً) في حدودها، متذرعة بآيات قرآنية انتزعت من سياقها الزماني والمكاني، وفسرت تفسيراً خاطئاً ومشوهاً.

هذه هي بعض العوامل المشتركة بين الصهيونية وكيانها الغاصب وداعش، إلى جانب وجود مشتركات أخرى لا يتسع المجال لذكرها الآن لضيق مساحة البحث، ولكن هناك اختلاف واحد بينهما، وهو أن إسرائيل التي قامت على اغتصاب فلسطين، أعطتها الدول الاستعمارية شرعية دولية، في حين أن داعش تسعى للحصول على مثل هذه الشرعية.

العدد 1105 - 01/5/2024