في معرضها الثالث.. «ألوان الفصول الأربعة»…سمر الملا.. بين سطوة الانطباعية وحياء التعبيرية

 49 لوحة توزّعت فضاء صالة معارض ثقافي (أبو رمانة)، مذيّلة بتوقيع التشكيلية (سمر الملا)، وهي منفّذة ما بين عامي 2012-2016 جزء منها (كرتوني): حمل إرهاصات البداية مع التشكيل والرسم. والآخر (قماشي): ذو مستوى متقدم نسبياً في تجربة (الملا) التشكيلية.

حول العنوان..

(الألوان): تعلن (الملا) انحيازها للون على حساب التشكيل (التكوين)، وهو ما يمكن ملاحظته على معظم الأعمال التي قدّمتها في هذا المعرض، معلّقة: (لو لم أهتدِ إلى العنوان الحالي لكان البديل (ترانيم لونية). علاقتي باللون حميمية، رافقتني منذ طفولتي، فلم تفارق ذاكرتي تلك الطفلة العابثة بعلب التلوين).

وأما عن (الفصول الأربعة)؛ فقد حاولت (الملا) رصدها من خلال لقطات فنية متنوعة من الطبيعة (الحراج والغابات)، في حضور طاغٍ لفصل الصيف، وهو ما منح الجو العام، صبغة اللون الحار. فتقول: (الفصول الأربعة هي الحياة بكل تفاصيلها، وفصل الصيف بالنسبة لي: الكرنفال اللوني الأبهى والأحب إلى روحي).

عن الموضوعات..

(الطبيعة): الموضوع الأبرز في لوحات (الملا)، برغم أن المنظر الطبيعي يشمل المعالم الظاهرة في مساحة من الأرض، وبضمن ذلك العناصر المادية، مثل التضاريس، والعناصر الحية من النباتات والحيوانات، والعناصر المجردة مثل الإضاءة وحالة الطقس، والعناصر البشرية مثل النشاط البشري والمساحة المبنية، إلا أنه لم يكن على هذه الحال في تصاوير (الملا)، إذ غاب الإنسان والحيوان. معللةً ذلك: (لا أنقل عن الواقع، أرسم ما في خيالي، فأنا خيالية، أعيش فيه كل ما يستعصي أن يكون في واقعي، وبالتالي أن أذهب إلى الخيال حباً وانتصاراً للحياة).

(الفناء الداخلي)، (الحارة العتيقة)، (البيت الريفي): من الموضوعات التي رصدتها عدسة (الملا) التشكيلية، والتي حملت مداخلاتها ورؤيتها لتلك الفضاءات المدنية، عبر إضفاء العنصر النباتي على مسطحات المكان، لمواءمة الاصطناعي والطبيعي، وكسر الوحشة وحدّة الفالق بينهما، ليبدو أكثر جمالاً، وحياة، وتفاعلاً، وانسجاماً.

4 (بورتريهات) حاولت (الملا) من خلالها مقاربة (التعبيرية)، في محاولة خجولة، تحسب لها كبداية للتحرر من سطوة الواقعية والانطباعية، رصدت في لوحة (النظرات): أنثى تراقب بحزن ما يدور حولها، وفي (الأب والعائلة): أثر رحيل الأب، وفي (الوادع): لوعة أنثى يودعها حبيبها، وفي الأخيرة: أنثى تقرأ من كتــــاب مغمضة العينين.

التقنية والإنتاج والطابع..

تستخدم (الملا) تقنية اللون الزيتي بشغف، ولديها حساسية عالية في التقاط الدرجة اللونية، التي يتميز بها معتنقو الواقعية والانطباعية، دون أن تلقي بالاً للأضرار الصحية والآثار الجانبية للألوان الزيتية، في مقابل ما تمنحه تلك التقنية من جمالية وواقعية وإحساساً يرضي (الملا) في ما تسعى إليه، (يقول اللون الزيتي على القماش كل ما يجول في خيالي، بدقة وجمالية لم أرها في تقنية أخرى).

وحول غزارة إنتاجها التي تصل إلى 25 لوحة سنوياً، توضح الملا: (أمارس الرسم من قبيل الهواية لا الاحتراف، وبالتالي أنحاز لذاتي وقناعاتي، دون الاكتراث بالشائع والعام، أذهب إلى الرسم لأتعرف على ذاتي، فلا يكاد يمر يوماً دون أن أقضي 4 ساعات بالحد الأدنى في محراب الرسم).

تميل (الملا) إلى اللقطة التشكيلية القريبة والكبيرة، في حين تندر اللقطة البعيدة العامة أو حتى المتوسطة، وكذلك قياسات لوحاتها، ولا تجد حرجاً في التعامل مع الأشكال الحرجة والمربعة منها: (القياسات الغريبة والنادرة تستهويني، كونها تشكل نوعاً من التحدي الذي يستفز مقدرتي، لأنطلق في عالم التجريب والخيال واكتشاف المكنون).

(شيشكين) و(الجعفري)..

تصرح (الملا) بالأثر العميق في توجهها الحالي للروسي (إيفان شيشكين) (1832-1898): عضو الأكاديمية القيصرية، ورئيس قسم تصوير المناظر الطبيعية في مدرسة الفنون العليا في سانت بطرسبرغ، كواحد من مؤسسي رسم المناظر الطبيعية في القرن الـ 19.

وعن خطوتها التالية، تملأ رئتيها بالشهيق ثم تقول: (أحتاج إلى تفكير وتأنٍّ ودراسة، وهدفي الأول هو النجاة من مصيدة التكرار، وأزعم أن بوصلتي ستكون السوري التشكيلي الرائد (ناظم الجعفري)، وما لفتني في تجربته أنه وثّق وأرشف المكان والذاكرة، ساعده على ذلك غزارة الإنتاج، فمجموعته الفنية تجاوزت (7000) لوحة، كرّس نتاجه الفني لتوثيق دمشق القديمة أزقتها وحاراتها العتيقة، كما اهتم برسم (البورتريه) و(الموديل) بواقعية ذات تأثيرات أكاديمية وأحياناً انطباعية، ويعتبر من أوائل الفنانين السوريين الذين صمموا الطوابع البريدية في سورية).

التشكيلية رباب الأحمد..

مدير (ثقافي أبو رمانة)، أشارت إلى أن: (سمر الملا فنانة تجتهد على تجربتها، موضوعها الرئيس: الطبيعة، يغلب الطقس الحار على معظم لوحاتها، محبة لعملها وللمدرسة الانطباعية، واللافت في معرضها هذا: بداية تجربة خجولة للمدرسة (التعبيرية) من خلال عدة لوحات ترصد الوجوه، قد يكون لنا نقد معين في خطاها التالية، ولكن كبداية وانطلاقة لخوض تقنية جديدة، ومدرسة جديدة في الفن التشكيلي، علينا أن نشجعها، ليكون لها بصمة خاصة، كفنانة تشكيلية أكثر احترافية، وتجربة، على مستوى التقنية، والمدارس الفنية التشكيلية).

يشار إلى أن التشكيلية سمر الملا: خريجة معهد أحمد وليد عزت للفنون التطبيقية، قسم التصوير الزيتي، و(ألوان الفصول الأربعة): معرضها الثالث خلال عام، بعد معرضها الأول في ثقافي (أبو رمانة)، والثاني في (المنتدى العراقي).

العدد 1105 - 01/5/2024