ليس بالديمقراطية السياسية وحدها تحيا الأوطان

 تحت عنوان (بعض الأفكار حول المسألة الديمقراطية) نشرت صحيفة (النور) في عددها 735 مقالة للصديق يونس صالح، تضمنت العديد من الطروحات الهامة والصحيحة مع لمحة تاريخية لتطور مفهوم الديمقراطية وكيف جرى تناوله وفهمه من قبل مختلف القوى والأنظمة. الأهم باعتقادي هو ما جاء في عنوانها: بعض الأفكار… وهذا يعني أن الكاتب يسعى إلى خلق ساحة حوار حول مسألة الديمقراطية ومضمونها ذلك أن: (هناك كثير من الجدل في الظرف الراهن حول هذه المسألة).وهذا ما دفعني للمساهمة في هذا الجدل أو الحوار.

استوقفتني فكرة جاءت في المقالة تقول: (الديمقراطية تعني حرية الرأي والفكر، وما ينبثق عن ذلك من مؤسسات مثل: الأحزاب و النقابات والجمعيات والصحافة والاتحادات المهنية وغير ذلك). هل فعلاً تعني الديمقراطية ذلك فقط؟؟ هل يعني هذا أنه إذا كانت لدى مجتمع/ نظام ما حرية أحزاب ونقابات و..و.. إلخ فقط، يمكن أن نطلق عليه مجتمعاً ديمقراطياً؟؟

طبعاً هذا صحيح إذا أخذنا فقط الجانب السياسي للديمقراطية وعزلناه عن جوانبها الاقتصادية والمجتمعية. نلاحظ مؤخراً أنه كثيراً ما يقع البعض في هذا المطب، فنراهم يختزلون الديمقراطية بتداول السلطة، وحرية النقابات الأحزاب وتعددها، وحرية التظاهر وما إلى ذلك. طبعاً هذا كله هام وأساسي لأي عملية ديمقراطية لكنه ليس كافياً، كما أرى.

أعتقد أن الديمقراطية عملية واحدة  متعددة الجوانب: سياسية، اقتصادية واجتماعية. مثلاً تتطلب الديمقراطية الاقتصادية: توزيعاً عادلاً للثروة الوطنية، حق المواطن في العمل، التعليم، الطبابة، السكن وضمان الشيخوخة…إلخ. أما الديمقراطية الاجتماعية فتتطلب المساواة بين الجنسيين، إزالة التمييز بين الأفراد على أساس الانتماء الديني، الطائفي، القومي وما إلى ذلك.

لذلك فإن اختزال الديمقراطية فقط بجانبها السياسي- على أهميته- وإهمال الجوانب الأخرى هو بمثابة ذَرّ الرماد في العيون، وابتعاد عن تحقيق الديمقراطية الحقة والشاملة. كم من البلدان لديها تعدد أحزاب وتداول السلطة وحرية التظاهر و..و.. ولكن لديها فوارق طبقية واسعة:فقر، أمراض وإن بنِسَب متفاوتة.

إن الحديث عن الديمقراطية والنضال في سبيل تحقيقها يجب أن يشمل جميع جوانبها، وأي إهمال للجانب الاقتصاد والمجتمعي للديمقراطية يعني تقديم خدمة مجانية لمن يحاول استغلال الجانب السياسي لها من أجل استمرار السيطرة الطبقية والسياسية على المجتمع / ألحكم تحت شعارات ديمقراطية كذا.

أخيراً أطرح للنقاش إحدى مقولات لينين حول الديمقراطية، على أمل أن تُناقَش، للوصول إلى رؤية مشتركة بين المناضلين الحقيقيين من أجل تحقيق ديمقراطية حقة وعادلة.

أشار لينين في كتابه الشهير (خطتان للاشتراكية الديمقراطية…) إلى: أن الحكومات الرأسمالية هي ديكتاتورية المالكين ولكنها ديمقراطية فيما بين الطبقات المالكة، وصاغ شعاراً بديلاً: (ديكتاتورية العمال والفلاحين الديمقراطية الثورية). أي أن الديكتاتورية والديمقراطية وجهان لعملة واحدة.

وعندما سُئل: ديكتاتورية ديمقراطية !!، أجاب: أجل ديكتاتورية على خصومنا الطبقيين مالكي وسائل الإنتاج، وديمقراطية للعمال والفلاحين وأحزابهم ومناضليهم وإعلامهم..الخ. وديمقراطية الرأسماليين أيضاً ديمقراطية لمالكي وسائل الإنتاج والبرجوازية، ولكنها في الوقت نفسه ديكتاتورية على العمال و كل من يهدد أسس الملكية الخاصة.

ختاماً، أعتقد أنه ليس بالديمقراطية السياسية وحدها يحيا الإنسان وتزدهر الأوطان.

العدد 1105 - 01/5/2024