تواصلنا كالحياة… يختلف عبر الزمن

 بدأت الإشارات تعبّر عمّا يفكر به الإنسان، وصارت رسوماً، وأضحت حروفاً فكلمات، عبّر عنها قولاً وكتابةً، ثم أرسلها شفهيّاً ومكتوبةً، استخدم الحمام الزاجل، وتوصّل في يومٍ من الأيام إلى الهاتف الذي تطور فصار هاتفاً محمولاً، وأضاف الإيميل، ثم صفحات التواصل الاجتماعي، وسكايب وما شابه.

وأمّا صفحة التواصل الاجتماعي فقد بات استخدامها عادة لدى كل شخص، يعبر فيها عما يريد قوله سلباً أو إيجاباً، مزاحاً أو جدّاً، حكماً أو استهزاء، فيضيف مقولاتٍ غريبة أو شهيرة، يغيّر في الصور فيغيّر المعنى، يستخدم الصفحات ليزرع فكراً ويبني معتقداً يخدمه، وما شابه من تفاصيل تحرّش هو فيها ليستطيع الوصول إلى ما يريد إيصاله، ومع الزمن صارت تلك الصفحات إدماناً وعادةً لا يمكن الابتعاد عنها، وصارت ثقافة مجتمع.

تقول لينا: صفحتي على الفيسبوك مهمة لي جداً، ذلك أنني أتواصل مع أصدقائي يومياً ونقصّ فيما بيننا ما جرى معنا خلال اليوم، ونبقى هكذا لساعات الصباح الأولى. كما أنني أنشر على حائطي صوري مع أصدقائي في مشاويرنا وفي كليتنا وفي المقاهي ونستمتع كثيراً بالتعليقات والمشاركات.

سألتها عن طريقتها في التعبير عن مشاعرها، فأجابت إنها تستخدم الوجوه الموضوعة على الأماكن المخصصة، فتعبر بها عما يجول في خاطرها.ويقول زاهي: أنا طالب في كلية التاريخ، أستخدم صفحة الفيس بوك الخاصة بي لنشر مقالات مهمة عن آثارنا السورية التي أنا مولعٌ بها وممتنّ لصانعيها، لعلً بعض تلك الصور تعيد لأصدقائي حماسهم بالقراءة أولاً، وبزيارة تلك المناطق ثانياً، وبمحاولة صنع تاريخ يليق بسورية ثالثاً والأهم، ربما يُقال عن حديثي هذا بأنه مبالغٌ فيه، لكنني فعلاً أرى أن تاريخنا السوري هو شرفٌ يحمله أي شخص في العالم.

و أما معتزّ فقد أخبرنا أنه يستخدم أي طريقة تواصل للتعلم، بنسبة كبيرة، فلا يرغب في إضاعة وقته بأمورٍ ثانوية وبعيدة عن الواقع، فتعلم معتز عن بعد في عدة جامعات ومعاهد، واجتاز مراحل كثيرة، هذا كله إضافة إلى الأبحاث التي يخرجها من المواقع الإلكترونية فتدعم مسيرته الدراسية وبحوثه العلمية، فلا أجمل من تسوق العلم عن طريق الإنترنت.. وما أجمل تعبيره بـ (تسوق العلم)!

وليديا تجد في الفيس بوك مضيعةً للحياة الاجتماعية الحقيقية، فلا طعم لها ولا نكهة، وغالباً ما تجد أن الرياء والكذب يظهران بقوة في مثل تلك المواقع، فهي لا ترى عيون الفرح في المحادثة ولا تسمع صوت الضحكة، لا تشعر بالتفاعل الحي في السعادة والحزن والألم والمشاركة. وتضيف ليديا قائلة إن هناك قسماً كبيراً من المشتركين لا يقولون الحقيقة، وإنما يتظاهرون على صفحاتهم أنهم مرحون أو مثقفون وما هم إلا (ناسخين) و(لاصقين).. وهكذا، فهناك من يجد المتعة والتسلية، ومنهم من يجد العلم والعمل والمستقبل، وأيضاً هناك من يضيع عن الواقع في العالم الافتراضي، فيشتت مستقبله ويضيع وقته ويصدق الأوهام ولا يعترف بأنه ما عاد منتمياً إلى العالم الحقيقي. وهنا دور كل منا في إيجاد نفسه وبصمته حتى في العالم الافتراضي، فنبحث عن الصورة التي نريد تقديمها وعن المعلومة التي نريد أخذها، علينا أن نتحكم نحن بما نريد من تلك النوافذ ولا نجعلها قائدة لنا في أماكن بعيدة عن أرض الواقع، نريد تسخيرها لا أن نُسخّر لها…

كل شيءٍ مفيدٍ في هذا العالم، على أن نعرف طريقة استخدامه.

العدد 1105 - 01/5/2024