الشرف بالأدب… لا بالنسب

من حلكة العتمة يولد الفجر، ومن تكاثف الغيوم واحتكاكها يهطل الثلج ويتساقط المطر، ومن غليان البراكين وثورانها تظهر تربة أكثر خصباً وأوفر عطاءً.

ومن اتحاد الجذور مع الطين يستمر صمود الشجرة وتماسكها، ومن تضامن الحصى والبحص الصغير مع بعضه بعضاً تتكون الهضاب، ومن تماسك الصخور واجتماعها توجد الجبال.

ومن اجتماع الرياح مع أمواج المحيط تتكوّن العاصفة، ومن احتكاك الثلوج يولد البرق بين الغيوم.

ومع كل زخة مطر تولد وردة، ومع كل لهيب تتكون جمرة، ومع كل بريق بعيد تشتعل غابات الروح بالحب والأمل.

وفي كل بستان لا بد من وجود أفعى تزحف، أو عقرب مختبئ بين الحجارة أو تحت الأعشاب، ولا تخلو المستنقعات المسكونة بالتماسيح من أسماك بريئة وورود متواضعة.

ولا يطرد الخداعَ والنفاقَ إلا الصدقُ والشرفُ، ولا يجهض الظلم إلا الحقُّ والعدالة، ولا يخنق العتمة إلا ضوءُ الشموع ونور الصباح.

وقليل من الكرامة قادر على رفع صاحبها عالياً ومنحه الكثير، مثلما قليل من الشرر قادر على حرق غابات واسعة، وقليل من الضوء قادر على هزيمة جيوش الظلام والعتمة.

وبقليل من الشرف يستطيع الإنسان أن يجمع كثيراً من الذهب والمال، وبكثير من المال يصعب عليه أن يجمع قليلاً من الشرف والكرامة.

(ويبقى الغِنى في النفس، والشرف في التواضع، ودائماً كان الشرف بالأدب لا بالنسب، والشريف إذا ارتفع تواضع، والوضيع إذا ارتفع تكبّر).

والكلام الطيب لا يثمر إلا في العقول الكبيرة، مثلما القمح لا ينبت إلا في الأراضي الطيبة.

ومَن كانت جذوره أصيلة، لا يخاف عليه من الزيف والخداع، ولا ينبغي الحذر والخوف إلا من أولئك المارقين، الذين غالباً ما تكون جذورهم على السطح ومع القشور، كنباتات الطحالب وأشنيات البرك والمستنقعات، فيطفو أساسهم مع بنائهم، ويختلط جسدهم مع البحص والطين.

ولا تبقى الأغصان منتصبة إلا إذا كانت يابسة من الحب، فارغة من المعنى والأمل، ولن يتغير جوهرها مهما مدحناها وعلا تصفيقنا لها، أو زيّناها وعلّقنا عليها الزهور، ودهنّا جوانبها بالمسك والعنبر.

والإنسان المستقيم لا يهمه إذا بدا ظله أعوج، والفاسد غصن يابس وأعوج، ولا بد من أن ينكسر ولو بعد حين.

العدد 1104 - 24/4/2024