مشاكسات «عاقلة»!

بكثير من البراءة يتساءل القارئ هذه الأيام: هل من فضائل تذكر لما يسمى بعصر السرعة؟! ربما يشكل الأدب والإبداع بمفارقاتهما الكثيرة أحد تجليات ذلك العصر، فمثلاً إن معظم كتاب الشعر الحديث، مأخوذون على الأرجح بحالات نادرة من السرعة، والتسارع، لحاقاً بالعصر واستحقاقاته، فلا أقل من ما بلغه أراغون أو نزار قباني، شأنهم في ذلك شأن محدثي الموهبة في سائر الفنون، ولا تعويل على تجربة، فثمة طقوس وشائعات.

 فماذا يكتبون ولمن، هي أسئلة في الماهية، وهي ليست كحال الأسئلة التي صاغها يوماً الشاعر بول فاليري غداة الحرب العالمية الأولى لكوكبة من شعراء السوريالية الشباب، من أمثال أندريه بروتون ولوي أراغون، وكانوا يومذاك يصدرون مجلة بعنوان (أدب) من العام ،1919 ومنها السؤال الشاق: لماذا تكتبون؟!

 هل يحيلنا (الهامشيون) لثقافة ما لا نألف مفرداتها، وربما يستعصي علينا قاموسها.. فقد نحسبهم مبوذين أسرى عزلتهم الخاصة، ننظر إليهم كأنهم آتون من كوكب آخر، ومنهم من يفترش أرصفة عابرة، مطأطئ الرأس، وأصابعه تقبض على سيجارة، بصعوبة يشعلها، الهامشي الذي لا ينجو من ثرثرة الناس وألسنتهم اللاذعة، لا زمان له، تكاد تحسبه هارباً من زمن ما، كأبطال الروايات، لكن الفارق هنا أنه يفيض على طرقات الحياة لا على ورق باذخ البياض، ليختلط بروائحها وأنفاسها وبأطفال أكباد مبددة، يبيعون الورد وماسحات زجاج السيارات حفاة الأقدام والكلمات.

 فهل أضاف تراث الهامشيين للأدب سعة متخيلة، أم تراهم كانوا ترف الأدب وضيوف عتمته المسكوت عنهم؟! لا سيما أنهم لا يلبثون أن يخرجوا عن النص، ليصبحوا نصوصاً أخرى، تنتزع سياقاً مغايراً لقراءة بصرية  ربما !

– في عصر السرعة، يمشي الإنسان مسرعاً وينام مسرعاً ويموت مسرعاً، فما الذي يحدث عندما لا يشبع أحدنا من النوم، ويجب أن يكون في عمله الوقت المحدد؟ سيرتدي ثيابه على عجل، وسيفوته فيما إذا كان الطقس بارداً أو حاراً، وقد لا يجد متسعاً من الوقت ليتناول طعامه، سيكتفي بالقليل مما يسدّ رمقه، يصل إلى سيارته ليقودها بسرعة، قد تصدم أحدهم امرأة مستعجلة مثلاً، يصل إلى مكتبه، لكنه سرعان ما يتهاوى ليسند رأسه وينام، على صحيفة لم يكمل قراءة أحد أعمدتها! لهذا مثال من الولايات المتحدة، فآفات عصرنا، السرعة  من هناك، وما يبقى للمتسارعين هو اللحاق بكسرة الزمن، أما الأقل استخداماً (للظفر والناب) الدجاجة والصوص فعزاؤهما، أنهما لم يقتنعا بعصر السرعة، وبقصائد (الساندويش) التي لا تشبعهما نقراً، وإلا فالمعذرة عن عدم قدرتهما على التأويل، فلربما اختلط عليهما لحظتئذ ليتساجلا: أيهما الأسبق البيضة أم الدجاجة؟!

العدد 1105 - 01/5/2024