حكي شوارع

الشوارع أصدق أنباء من الندوات والخطابات والمقالات الرصينة!

في الشارع تجد الآخرين على حقيقتهم أكثر… لا مكان للكثير من المجاملات كما في البيت أو العمل أو الجامعة.

سكان الشارع هم أنفسهم من يلعبون أدواراً أخرى في الحياة حين يكونون بين معارفهم… لكنهم لا يأبهون بك أنت الذي لا تعرفهم، وربما لن تلتقي بهم مرة أخرى.

عبارات من نمط (خدش الحياء العام) ترجمة لما يحفل به الشارع من حالات وحكي يعبر عن حقيقة هؤلاء الناس… الحقيقة التي يغطونها بأقنعة سميكة في أماكن أخرى.

***

شوارع دمشق تئن من الزحام، هي في الأساس (أزحم) مدينة في التاريخ ربما، لكن بعد أن أُغلٍق الكثير من شوارعها لضرورات أمنية  أو هكذا يعتقد من أغلقها  أصبحت أكثر من مزدحمة.

أصبح المشوار الذي كان يحتاج إلى نصف ساعة يأخذ ساعتين و(طبشة)، مع ما يعني ذلك من إتلاف للأعصاب وعجلات السيارات وبنزينها ومازوتها المفقود… يا ولدي.

 في المناطق المسماة بمناطق التوتر، وهي مناطق منكوبة حقيقة، لم يعد هناك من معنى لإشارات مرور أو شوارع ذات اتجاه واحد أو اتجاه الدوران على دوار ما مثلاً، إذ لا صوت يعلو على صوت المعركة، صارت السيارات تتحرك كيفما اتفق، فتجد مسرباً لا تغلقه الحواجز الأسمنتية أو الحاويات و(الكراكيش) لتلف وتدور حتى تصل إلى الهدف أو تهلك دونه.

***

على إشارة المرور في آخر أوتوستراد الزاهرة الجديدة اختلط الحابل بالنابل، نتيجة وصول طول أرتال السيارات إلى مئات الأمتار أمام الحاجز، وتداخل الاتجاهات، مما خلق فوضى غير محتملة.

تجرأ أول سائق على إطلاق زمور سيارته، ثم تبع الثاني والثالث، وبدأت سمفونية التزمير… مظاهرة زمامير.

لم يكن ثمة شرطي مرور كما هو الحال منذ زمن، العنصر الذي كان يلبس المموه ويحمل بندقية وقع في حيرة من أمره ليسكت هذا الضجيج أولاً، ثم ليتحكم ببعض حركة المرور ثانياً… فما كان منه إلا أن أطلق طلقتين في الهواء… صارت الناس وكأن على رؤوسها الطير…بدكن زمامير؟

ثم بدأ ينظم حركة المرور ما أمكنه ذلك.

رأيت فيما يرى النائم أسلوباً جديداً لتنظيم السير في مدن الحرب… على التقاطعات يقف مسلح، الإشارة الخضراء تعني طلقة واحدة، البرتقالية طلقتان، الحمراء ثلاث طلقات… بهذا لا يؤثر انقطاع الكهرباء المزمن على تنظيم المرور، لا داعي لصفارة شرطي، ولا لدفتر مخالفات.

المخالفة أيضاً تقاس شدتها بعدد الرصاصات التي ينالها المخالف، مثلاً مخالفة حزام رصاصة واحدة، مخالفة مرور ممنوع خمس رصاصات… ويمكن الاستفادة من عدد النقاط التي كانت تحسم من رصيد السائق المخالف في النظام القديم، كل نقطة برصاصة.

***

صديق كان في سيارة أجرة عند إشارة شارع الحمراء، وهنا الوضع مختلف، النظام والشرطة موجودان والأمن مستتب.

يصفر الشرطي لسائق التكسي ويأمره بالوقوف على اليمين، يقف السائق، يأتي إليه الشرطي ويطلب أوراق السيارة.

 خير ليش شو عامل أنا؟

يقول السائق

 مو حاطط حزام الأمان والاستقرار.

يجيب الشرطي…

السائق الذي كان صامتاً طوال الطريق صرخ بصوت عال سمعه الجيران:

 أي مو أول شي ليكون في أمان لحتى حط الحزام تبعو… يعني هلأ إذا صار في تفجير قريب وأنا رابط حالي بالحزام كيف بدي نط من السيارة بركي أنفد بحالي؟!

هات الأمان وراح حط الحزام تبعو بعدين… كل العمر.

توقف الشرطي حائراً… ابتسم… وتركه إلى سيارات أخرى.

العدد 1105 - 01/5/2024