ذكوراً وإناثاً.. همّهم جميعاً للممات

همّ البنات للممات… مثل شعبي قديم، يتردد في الأذهان قبل أن تُمنح الفتاة الفرصة للعيش والخوض في غمار الحياة ومن ثم لإثبات الذات…

ومردّ هذا المثل، ناجم عن الخوف على هذه الفتاة وعلى حياتها وكل ما يتعلق بها، وربما كان الأهل يمنحون أنفسهم بعض الحق في خوفهم هذا… بسبب العقلية المتخلفة التي سادت منظومة التفكير والمتمثلة بإرغامها على حمل لواء الشرف العائلي، لكونهم اقتصروا في مفهوم الشرف على نظرة ضيقة ومحدودة، بينما هو مفهوم واسع من المفروض أن يحمله كل أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً…

وقد أثبت الواقع وأكدت التجارب أن الفتاة حينما تتاح لها الفرص وتعطى الثقة والدعم، فإن ما تتحمله من مسؤوليات وأعباء، يفوق في غالب الأحيان ما يتحمله الذكور من محيطها… ويكون قيامها بالمهام الموكلة إليها أفضل بكثير، وذا نتائج جيدة، لكونها تحمل قناعةً ذاتية بأنها ليست أقل شأناً من غيرها، ومن جهة أخرى لأنها لا تزال في محاولة حثيثة لإثبات ذلك في مجتمع لا يزال غير معترف علناً بما تقوم به إلا على أنه واجب مفروض، بينما يُترك الرجل على راحته في كافة تصرفاته لا بل يشرعن له هفواته وعثراته…

وبالتالي فإن التعامل مع الفتاة من خلال تلك النظرة السطحية، لم يعد له مبرر… فهي قادرة كما سبق أن ذكرنا على الاعتماد على ذاتها، فهي كما يقول مثل آخر (أخت الرجال) _ وإن كنت شخصياً لا أتوافق مع هذا التوصيف _، لأن الآخرين باتوا يعتمدون عليها ويكلفونها بمهام إضافية، نتيجة اعترافهم الضمني بجدارتها وقدراتها وعطائها، وشبه تأكيدهم بأنهم قادرون على الاتكال عليها حين تشتد بهم الحاجة للعون والمساعدة، لاسيما في هذه الأيام والظروف التي نمر بها، فالفتاة التي باتت ربة بيت وأماً وأختاً ومربية وعاملة وصديقة ومعلمة وووو إلخ، تتقن القيام بكل تلك المهارات بوقتٍ واحد، وإنجازها على أكمل وجه، وقد أرغمتها عليها ظروف العيش الصعبة نظراً لغياب الرجل المفقود أو المسافر أو المنفي أو الميت أو…. والذي وإن وجد، فهو بدوره مُتكل عليها لقدرتها على التحمل والقيام بما لا قدرة له (هو الرجل) ولا طاقة على القيام به أو تحمله، ومن ثم تنفيذ ما بات مطلوباً منها ببراعة، مهما كلفها ذلك من جهدٍ أو تعب على الصعد كافة…

ولهذا أجد المبرر وبعض الأحقية للأهل بتبني تلك المقولة واستمرارية التفكير بها، إنما هذا المبرر لم يعد هو ذاته كما كان سابقاً، بل إنه القلق عليها من المستقبل المجهول، ورغبة الأهل في حمل بعض الأعباء عنها، ومحاولة تقديم الدعم لها ولو كان بحدود الدعم المعنوي إن لم يكن بالإمكان أن يكون بأشكال أخرى متنوعة، فطبيعة العاطفة التي تربط الأهل بأبنائهم تجعلهم يستمرون على الدوام يشعرون بالقلق عليهم وعلى حيواتهم، وكلمة الأبناء هنا تتضمن الذكور والإناث معاً، فالابن المفقود مثلاً همّه على أهله ليس بالقليل، مع أنه ذكر!! وباقي الأمثلة والتوصيفات تنطبق على ما نقوله هنا…

إذاً.. والحال هكذا، فإن المثل الشعبي يجب أن يتغير ليصبح (همّ الأبناء للممات)، إذ إن قلق الأهل على أبنائهم حق مشروع، لطالما أنهم يأملون ويحلمون لأبنائهم بحال أفضل من حالهم… فلنبدّل قناعتنا وأفكارنا… ولنعطِ فتياتنا فرصاً أكبر لإثبات أنفسهن، فأيديهن تحيطنا بالرعاية والاهتمام، متى طلبناها… وجدناها!!!

العدد 1105 - 01/5/2024