ما زلن يُوءدنَ.. لكن بمفاهيم أقسى

 درجت العادة في عهود سحيقة أن توءد البنات تحت التراب وهنّ أحياء، تفادياً مُسبقاً لما قد يجلبنه للعائلة من عار ومصائب وخيبات حسب معتقدات الناس السائدة….لكن، ورغم أن جميع الأديان السماوية كانت قد حرّمت هذا الفعل وجرّمته، إلاّ أنه بقي حاضراً في حياة الناس فكراً وممارسة حتى ما بعد الجاهلية بكثير، مثلما بقي ماثلاً بطرق ومفاهيم أخرى في الذهنية المجتمعية لاحقاً بحكم التشبّث بهذا المنظور الخرافي للبنات، بدل التشبّث بأنها كانت في فجر الحياة الإنسانية آلهة للحب والخصب والجمال، واستمرت بمنح نسبها لأبنائها وسيادتها للقبيلة إبّان العصر الأمومي.

ورغم التطور اللاحق للبشرية، بقيت البنات قابعات في خانة الرفض الاجتماعي المُستتر حيناً والمُعلن غالباً، مثلما بقين همّاً يؤرق الأهل ويقضُّ مضجع سكينة الروح خوفاً أزلياً لا يبرح التفكير، رغم أن الواقع الحياتي أثبت أن البنت لا تقلُّ شأناً عن الصبي حين تُتاح لها البيئة المناسبة لإظهار إمكاناتها وطاقاتها التي تؤهّلها لتكون بمرتبة موازية ومساوية للرجل في مختلف اتجاهات الحياة ومواقعها.

فحين أُتيح لها خوض غمار التعليم، أزهرت فكراً وأينعت عطاءً أُسبِغَ على الأسرة والمجتمع، فبدّل تلك النظرة المشؤومة والخرافية لدى بعض البيئات التي دفعتها لتُحلّق في فضاءات الحياة كما الرجل تماماً، فكانت الأديبة والطبيبة والمناضلة العتيدة التي عملت على رفد المجتمع بأفراد نهضوا بأعبائه واحتياجاته المطلوبة للتطوّر والرقي، فلم تبقَ- وهي كذلك- نصفَ المجتمع فقط، كما يُقال، بل أصبحت كل المجتمع باعتبار أنها تُنجب وتُربي الأبناء تربية إيجابية تسمو بهذا المجتمع الذي ما تزال غالبيته تُنكر عليها كل ما تقوم به، بإصرار عنيد على أنها همّ وبلاء، رغم أن البنت هي من يبقى لآخر رمق من حياة الأبوين، ورغم أنها تحمل هموم وأعباء الأسرة في زمن كالذي نعيشه اليوم، فالحرب التهمت الشباب وتركتها وحيدة تُصارع الأقدار لتأمين كل ما يُبقي الأهل والأبناء على قيد الحياة.. فهل من صلاحية نافذة بعد للمثل الشعبي: همّ البنات للممات..؟

العدد 1105 - 01/5/2024