أمل دنقل.. صورة الشاعر الإنسان

 ولأن أمل دنقل هو ذلك الشاعر الإشكالي والمختلف حقاً، فقد شكّل على الدوام هاجس دراسات متعددة، ذهبت في إثر الشاعر وفي إثر مسيرته المختلة بآن معاً، إذ يتساءل الناقد والمترجم والشاعر د. ثئر زين الدين في مقدمته العميقة عن جدوى الكتابة عن أمل دنقل بالقول:
أن تكتب عن أمل دنقل يعني أن تكتب عن شاعر بدأ النشر أوائل الخمسينيات، واستمر بالكتابة حتى فترة قصيرة قبل وفاته، يوم 21 أيار،1983 بكل ما يمثله هذا العمر الإبداعي القصير نسبياً من إنجازات خلابة.

فإذا كان أمل دنقل المسكون بالتجاوز والمغايرة والتميز دون أي سعي لاهث للشهرة أو النجومية الهزيلة التي تأتي من خارج النص الإبداعي، فإن انتباهة الباحث د. زين الدين لإبداعية أمل دنقل التي حققت فرادتها وتميزها، هي انتباهة تجلو خصائصه الشعرية والمعرفية فضلاً عن ثقافته النقدية، المحايثة لتجربته،
لذا فهو يذهب إلى السياقات المؤسسة لتجربة الشاعر أمل دنقل ووعيه الشعري، من خلال استحضار صورته عبر الآخر، إذ ينقل عن (عبلة الرويني) قولها: إن أمل دنقل وفي ظروف السبعينيات حدد دوره وملامح تجربته الجديدة في إعادة اكتشاف الجمال، وتوجيه الناس إليه، فقد رأى أن على الشاعر أن ينهض بمسؤوليتين أو دورين في آن واحد، دور فني لأن يكون شاعراً، ودور وطني أن يوظف فنه بخدمة القضية الوطنية، وخدمة التقدم…
من خلال إعادة اكتشاف تراث هذه الأمة وكشفه وإيقاظ إحساسها بالانتماء، وتعميق أواصر الوحدة بين أقطارها.

وهكذا وقف الباحث د. ثائر زين الدين، على صورة الشاعر الإنسان وعلاقاته المتعددة بالآخر، من أمثال نجيب سرور، ود. جابر عصفور، ود.يوسف إدريس، ود. سهيل إدريس، ويوسف السباعي، بوصفهم أصدقاءه الذين أحبهم، ومن ثم ينتقل د. ثائر زين الدين إلى السمات الفنية في شعر أمل دنقل، كاستلهامه للتراث واستخدام عناصره الهائلة كأدوات تعبيرية، ومنها اشتغاله الخاص على الصورة الشعرية والبنية الإيقاعية ومعمار القصيدة وتشكيلها، إذ اللافت في هذا السياق ذلك النظر النقدي المكثف في وجوه تجربة الشاعر أمل دنقل، الذي يضيف له د. ثائر زين الدين ذائقة ومعرفة تقوم على الاشتغال الفاحص لتقنيات قصائد الشاعر أمل دنقل، لا سيما في حقلي التراث وشواهده التطبيقية الدالة.

ويلفت د. ثائر زين الدين في استحضاره لشخصية أمل دنقل والفن التشكيلي إلى أن الدارسين لم يلتفتوا إلى أثر الفن التشكيلي في شعره، فهو يرى أنها ظاهرة لا تلفت إليها الانتباه كما هو الحال مع التراث أو البنية الإيقاعية عند الشاعر،
لكنها جديرة بالبحث ليستبطن أمل دنقل رساماً ماهراً، أدرك دلالات الألوان في فضاء لوحاته، إذ يرى د. ثائر زين الدين في هذا السياق أن الشاعر أمل دنقل، ترك دلالات اللون الأبيض التي رسخت في الوجدان، ولم يأخذ إلا دلالة الموت، ليصل ماضينا الطافح بالمرارة، والخذلان لحاضرنا الذي يكرس ذلك.

ولعل قارئ تلك المقدمة التي كانت بمثابة التوطئة للكتاب سيقف على غير بعد خفي في شخصية الشاعر أمل دنقل، ومدى ما شكلته في شخصيته الشعرية المفارقة، لتكون المختارات من قصائده المعروفة ما تشكل متن تلك الدراسة بمعنى أو بآخر، وجوانب التأمل الإبداعي الذي انفتحت عليه ذائقة د. ثائر زين الدين شاعراً وناقداً.

ومن المعروف أن الشاعر أمل دنقل، قد أنتج ست مجموعات شعرية هي: (البكاء بين يدي زرقاء اليمامة) (تعليق على ما حدث) (مقتل القمر) (العهد الآتي) (أقوال جديدة عن حرب البسوس) (أوراق الغرفة 8)- عام 1983.

صدر الكتاب عن دار الينابيع بدمشق عام 2017.

العدد 1105 - 01/5/2024