حول« رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحد »: الرؤية تهدف إلى محاربة التطرف الديني

الرؤية تهدف إلى محاربة التطرف الديني

محي الدين محمد*

 في موقف الحزب الشيوعي السوري الموحد من الأزمة السورية المركبة ما يذكر القارئ لهذا الموقف بأن أسوأ ما تصاب به أمة من الأمم، هو أن يلتقي فيها الدين مع الأساطير الخرافية المبتكرة التي تخدم التحالفات ضد الجدران الأربعة،
ومن يعيش بينها بحيث يتنازع الناس مرغمين دون أن يعرف الكثيرون منهم الأسباب لهذا الصراع، وأن بعضهم قد قرأ هو الآخر الأسباب والنتائج ونبه إليها، ولكن الكارثة قد وقعت.

وإذا كانت الحضارة العربية كما تقول المصادر تقوم في أساسها على النص الديني، وهو المخزون النفسي في ثقافة الجماهير عبر تاريخها الطويل، لكن مرجعية ذلك النص قد وحدت العرب، وجعلت منهم كياناً متماسكاً، من خلال إدراك المعنى الذي تعنيه ثقافة المواطنة، وهو شرف الانتماء للتاريخ في ماضيه وحاضره على حد سواء.

غير أن إغفاءة البراءة التي مازال إليها السوريون عبر الأجيال الطويلة، قد ضربتها فجأة عاصفة التفريق بين التذكير والتأنيث، وبين المعتقدات الروحية والإيديولوجيات السياسية، التي أنتجتها العولمات المختلفة الأنواع،
في الألفية الثالثة تحديداً وما قبلها بزمن ليس بقصير، فقد استطاع مثقفو اليهود وشركاؤهم في أوربا وإلى جانبهم أتباعهم من الأعراب في تشكيلاتهم الملكية المتسلطة، التي تلقت الحماية والرعاية من أمريكا، بانفعال سوداوي قاتل في الداخل والخارج، إذا ما ارتكبوا أية مخالفة للأوامر التي تعطى لهم تجاه اغتيال دولة متمدنة ومقاومة كسورية في هذه المنطقة من العالم المترامي.

وبهذا المعنى لجأ أحفاد الوهابية وأدوات الجاسوسية البريطانية، التي مثلها مستر هنفر السفير البريطاني في العراق، في تلك المرحلة، وبدأت الأفكار الظلامية بالانتشار هنا وهناك، على يد النظام الوهابي المعادي لحرية الشعوب،
والمصادر للقيم الإنسانية التي حملتها الأحزاب التقدمية في إيديولوجيتها، ومنها الحزب الشيوعي السوري وحزب البعث في النصف الثاني من القرن العشرين، وإلى جوارهما أحزاب أخرى تلتزم بقضايا الطبقة الكادحة،
التي لم تكن تملك من جهدها اليومي سوى لقمة الحياة، خلافاً لتلك الطبقات التي ماتت إنسانيتها عبر أجواء الرفاه الذي صنعته على حساب عرق الكادحين والمنتجين.

من هنا نستطيع القول بأن المواقف التي قدمها الحزب الشيوعي السوري الموحد حول الأزمة السورية المستوردة، التي تركت أثراً كونياً في الصراع الدولي حولها، نظراً لما تتمتع به الدولة السورية من حضور سياسي وثقافي متنوع،
وتأكد لي أن رؤية الحزب كانت صائبة، وتحمل لغة المعجزة التاريخية التي تبناها الحزب الشيوعي السوري في معاركه المتواصلة مع أعداء الحرية والتقدمية، والفكر الاشتراكي بشكل عام، بما يخدم مصلحة الطبقات الفقيرة التي عانت من الاستلاب واستغلال تعبها لزمن طويل، وما ألمحت إليه تلك الأفكار التي حملت الإرث النضالي للحزب،
ضد الصور المثقلة بالأوجاع الوطنية بردائها الإنساني، كان وراءها الأنظمة الديكتاتورية التي يلهث قادتها وراء الكسب المادي، بعيداً عن المعايير الأخلاقية التي دلل عليها الحزب الشيوعي في نظريته الفكرية التقدمية.

ومما لا شك فيه أن رؤية الحزب الشيوعي السوري الموحد تهدف إلى محاربة التطرف الديني، الذي أنتج الأزمة المعقدة في سورية، والدعوة إلى رصد سلوك الجيل الشاب، حتى لا يقع أسير الأفكار المضللة، التي استعمرته من خلالها الأنظمة الخليجية، بشرائه عبر الدولار وإمداده بالسلاح وخضوعه للطاعة العمياء، ليكون هو الخسارة الكبيرة في المساهمة بعملية البناء الوطني على الأصعدة كلها.

وفي سياسة الحزب العامة التي دعا فيها الحزب لتحرير الجولان كهدف وطني يجب الالتزام به، ومنع النيل من الجغرافيا السورية، عبر التقسيم الذي تحلم به الجهات التي تمول العصابات المسلحة المجرمة، ودعا أيضاً إلى الانفتاح على الأحزاب التقدمية، داخل الوطن وخارجه، وفضح الإرهاب وداعميه في عالم تقوده المصالح.

وفي الوضع العام يطالب الحزب بإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، من أجل وقف الدماء للبنية التحتية، والعمل على تصعيد دور المصالحات الوطنية، وتحويلها إلى مظهر سياسي يؤدي دوراً مهماً في عملية الإعمار.

يضاف إلى هذا كله دعم الحريات وإجراء الحوار بثقافة وطنية تجسد سلوكاً وطنياً وأخلاقياً، بحيث تنتصر التعددية السياسية وفقاً للدستور السوري الحالي.

أما مشروع الدستور من وجهة نظر الحزب، فهو العمل بالدرجة الأولى على تحديث القوانين التي يحتاج بعضها إلى ذلك، نظراً للحالة الزمنية الطويلة التي كانت الحامية لمثل هذه القوانين، وثمة أمر آخر يتبناه الحزب برؤيته، هو احترام الحقوق والحريات العامة وحمايتها، وامتلاك حرية التعبير عن الرأي، حتى في التظاهر السلمي مع ضرورة الحفاظ على هيبة الدولة.

وأضيف أخيراً إن الحزب الشيوعي السوري الموحد قد امتلك القدرة على تحليل أربعة عناوين هامة في حياة الأزمة السورية، وهي:

أولاً– الواقع السياسي المأزوم في الوطن العربي، الذي يغلب عليه في إدارة الشأن العام الطابع الديني السلفي، ولهذا حاولت تلك الأنظمة ضرب الفكر السياسي التقدمي في بلادنا.
ثم الواقع الاقتصادي الذي تديره العقول المرتدة ويحمل عنوان البذخ بالثروات التي تشرى عبرها العقول الشابة، يضاف إلى هذا البعد الواقع الثقافي، لأن العرب أقل الشعوب قراءة لأحداث العالم بطريقة مفيدة، وهذا ما تسبب بضياعهم، وضعف امتلاكهم للأدوار في عالمهم المعاصر.

وفي الواقع الاجتماعي مازال العرب يعيشون أسرى الأفكار السياسية، بواقعها الديني السلفي الذي يحطم القيم ويرمي أهلها بالأزمات، وهذه التحديات الأربعة لقيت فهماً وتحليلاً واقعياً ورؤيا سياسية ناضجة من قبل الحزب الشيوعي السوري الموحد في برنامجه الفكري الدائم.

رئيس فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس

العدد 1105 - 01/5/2024