جمهورية الإخوان الديكتاتورية العظمى!

أصبح اللعب الآن على المكشوف، بعدما لم يعد تنظيم الإخوان من المستضعفين الذين يتحايلون على وجودهم بالمسكنة والخداع.. لقد سقطت الأقنعة ورفع الستار عن المتحدثة الرسمية الأمريكية تضيء العلامة الخضراء لتنتفي مبررات التقية، الكذب، التحايل، تقديم الوعود التي لا تتحقق، التي شكلت السمة الرئيسية للخطاب الإخواني خلال الثمانية عشر شهراً الماضية.

فقد أعلنت المتحدثة (دون خجل من شبهة التآمر) أنهم في واشنطن كانوا على علم (منذ زيارة كلينتون ووزير الحربية لمصر) أن هناك مخططاً يعده الإخوان لإجراء تعديلات أساسية في قيادة القوات المسلحة المصرية، وأن هذه التعديلات قد تمت بعد موافقة ومباركة صناع القرار الأمريكي.. وأن القادة الجدد دُرِّبوا في زمن سابق في الولايات المتحدة، وهم معروفون جيداً (ولم تقل وإنما ظهر من سياق الكلام) أنهم محل ثقة القيادة الأمريكية المستعدة للتعاون معهم، وبضمن  ذلك مقاومة خلايا الإرهاب في سيناء.

كلمات الإدارة الأمريكية الداعمة جعلت الإخوان يسرعون (بِشَرهٍ طفولي) للاستيلاء على مناصب جديدة تضاف إلى ما وضعوا أيديهم عليه من قبل بالخديعة والبلطجة.. نائب الرئيس، قيادات كبرى من الجيش والشرطة والمخابرات والقضاء والإعلام ورؤساء تحرير الصحف، وظائف أصبحت حكراً عى الإخوان، إضافة إلى رؤساء الجمهورية، والوزارة، ومجلس الشعب، ومجلس الشورى، ولجنة كتابة الدستور. فإذا ما أضفنا إلى ذلك المسؤولين عن النقابات والخلايا النائمة التي لم يعلن عنها بعد في المصارف، والشركات، والتجارة الداخلية والاستيرادية، والبورصة، ومندوبي مصر في المؤسسات الدولية وفي باقي المواقع الحساسة والرقابية أو الدينية الرسمية.. فضلاً عن المليشيات والبلطجية الذين احتلوا الشوارع والميادين وأماكن الإنتاج الإعلامي وأشاعوا الذعر بين المتظاهرين أو المعارضين أو السكان القبط والمسلمين المسالمين، فإن معنى هذا أن الشعب الذي هاج وماج من أجل إزاحة طاغوت الحزب الوطني أحل محله كابوساً أكثر ضراوة وجوعاً وشراسة من جماعة الإخوان المسلمين بكوادرهم، وأقاربهم، ومعارفهم، ومحبيهم، ومريديهم وكل من قال أنا من الإخوان المسلمين.

السيد مندوب الجماعة في القصر الرئاسي ومنفذ تعليمات مكتب الإرشاد، بعد أن أصبح يمتلك قوة فاشستية غير مسبوقة بجمعه بين السلطات الثلاث وتحريك ديماغوجية الشارع.. لم يعد يواجَه بأي مقاومة لقراراته مهما كانت شاذة أو غريبة.. ولهذا لا أستبعد أن أستيقظ يوماً فأجد أنه قد تغيّر اسم بلدي بقرار جمهوري وتعليمات للجنة إعداد الدستور ليصبح ((جمهورية الإخوان الديكتاتورية العظمى، الإقليم المصري) وأن العلم قد أضيف إليه سيفان وكلمات موحية من عند الرحمن، وأن السلام الجمهوري أصبح نشيد الإخوان الذي دبجه حسن البنا منذ ثمانين عاماً.

أنماط الديكتاتورية كما ذُكرت في ويكيبيديا (الدكتاتورية الفردية: وتكون بتسلط فرد على مقوِّمات الدولة تسلطاً شاملاً معتمداً على القوة العسكرية التي للدولة، ويقصد بالمقومات (الأرض، الثروة، الشعب، الحكم). وغالباً ما يتصور الدكتاتور نفسه هنا بأن له صلة روحية بالله الذي يلهمه ما يجب أن يفعل، أو أنه يتصور نفسه أنه هو الإله، ولذا يحيط نفسه بهالة من الحصانة والعصمة).

الدكتاتورية الجماعية: تكون بتسلط جماعة على مقوِّمات الدولة.

وكلا النوعين السابقين يكون في الدولة ذات طابع الملكية المطلقة، أو الدولة ذات طابع الجمهورية… وتختلف فيه الدولة الملكية عن الجمهورية بفرض قدسية الأسرة الحاكمة على الشعب وادعاء الحصانة المطلقة لها… والطبيعة الاجتماعية للدكتاتورية تظهر في المجتمعات المتخلفة والمتقدمة أيضاً. إلا أن المجتمع في المجتمعات المتخلفة يتحمل أكبر قدر من صناعة ذلك الاستبداد، نتيجة التقوقع الاجتماعي والتعصب العشائري والقبلي… أما في المجتمعات المتقدمة فيحدث الطغيان والاستبداد الواعي بأسباب عديدة، منها: غياب الوعي الجماعي عن السلطة الفوقية، وتحول المجتمع إلى آلة عمل متناسقة ومتناغمة للعيش وإشباع الغرائز فقط. ففي المجتمعات المتقدمة يكون الاستبداد فكرياً لا عملياً، فهو لايقتل الإنسان ويحفر مقابر جماعية، بل يقتل الروحية المتحركة والفكر المتطور بحجج وأساليب خفية تسبق الزمن الآني (مستقبلية). وهناك نموذج آخر للدكتاتورية يشترك في صنعها الفرد والمجتمع. هذا النموذج موجود حالياً في الدول والأنظمة الشرقية وبعض الدول النامية إذ يعمل الحاكم الفرد أو الحزب والمجموعة الحاكمة على فصل شخصية الحاكم وصفته وامتيازاته عن طبيعية المجتمع بالتقديس، عندئذ لايستطيع المجتمع أن ينهض من سباته الاجتماعي، ولا الحكّام يتركون الكراسي والعروش.

بعض سمات الديكتاتور والديكتاتورية

* قمع الشعب في الداخل، وشن الحروب على الجوار، وإبقاء الشعب على الجهل والتخلف حتى يستمر في منصبه، وتكييف العلوم وبلورتها بما يتناسب مع أيديولوجيته.

* تشكيل الشعب بقالب معين، وتدجينه وفق أيديولوجية معينة.

* محاربة المنطق وتكفير المناطقة.

* إشغال الشعب بعدو وهمي أو أسطوري، أو إيهامه بعدو ما وتحميسه ضد هذا العدو.

* استغلال الدين لتثبيت حكمه.

* إبقاء الشعب في حالة فقر وعوز دائمين، حتى يكدح الشعب وينشغل بطلب العيش عن طلب الترؤس.

* نشر الرذيلة والعهر في المجتمع.

* تفكيك المجتمع أسرياً وقبلياً.

* بناء جهاز استخباراتي قوي ونشيط يتخلل الشعب.

ما نرصده يحدث قبل وخلال الأربعين يوماً التي تولى فيها الإخوان الحكم، هو ما ينطبق عليه وصف الديكتاتورية أعلاه. فالشعب القبطي يتعرض للإرهاب وحرق المنازل وكسر المتاجر والتشهير بهم وتهجيرهم بالقوة بمساعدة رجال الأمن والسياسة.. ورجال الإعلام والمعارضة تغلق لهم محطات الإرسال التلفزيوني وتصادر الصحافة، ويُنذر مقدمو البرامج بواسطة مكتب الإرشاد والتهديد بقطع الإنترنيت.. والضرب في الشارع أمام المنصة، وتعليق المناهضين للحكم على أعمدة الإنارة بعد سحلهم في الشارع، والقبض على المتوسلين للمرسي أن يفك ضائقتهم.. وها هي ذي حرب دائرة قد تمتد إلى أماكن أخرى.. يشعلها أفراد من حلفاء الجماعة في غزة وسيناء.. وها هو ذا الجيش المصري يطلب الإمداد خلف الإمداد، ويقتل له ضباط وجنود وحلفاء من رجال القبائل بدم بارد.

إن خطط الإخوان والسلفيين لتدمير التعليم واضحة، من نوعية الذين اختيروا للجنة التعليم في البرلمان ومن الوزراء الذين يتولون العمل.. فالإرهابي الذي قضى عمره سجيناً لعقيدة ما، ثم وجد نفسه المؤتمن على التعليم وسياسته، سيحول كل المدارس إلى كتاتيب تحفيظ قرآن وتدريس شريعة محمد بن عبد الوهاب.. وكسر أي نشاط طلابي، إلا ما يسمح به شباب الإخوان في الجامعة مع تهميش دور الآنسات وتحقيرهن واعتبارهن ناقصات العقل. في حين أن آخر (امتحانات) ثانوية عامة جرت قبل الإظلام الوهابي احتلت الصبايا المراكز الأولى بنسبة تصل إلى 90%، إن الإخوانجي لا يهمه أن يتعلم الشاب نظرية التطور أو الفلك الحديث أو تكنولوجيا متقدمة قبل أن يحفظ سورة البقرة.. حتى لو كان هذا دون فهم. لقد قرر السادة المسؤولون عن الجماعة تشكيل البشر وتدجينهم في قالب مبارك يطلق اللحية ويبكي عند كل صلاة، وسيدات يلبسن الخيام السوداء لا يظهر منهن إلا عين أو تجاوزاً عينين.. يهرع إلى المسجد مع كل أذان ويتشبه بنموذج مقزز في السعودية والخليج.. أليست هذه ديكتاتورية التشكيل والتدجين؟!

منذ أن بدأ صعود التيار الوهابي والدعاة يكفّرون المنطق وكل ما هو منطقي ويعتبرون أن الفلسفة بدعة شيطانية تلهي المرء عن التدجين المرسوم له، لقد تحول كل ليبرالي علماني منطقي إلى كافر زنديق وفي بعض الأحيان يحلل دمه كما حدث مع فرج فوده ونجيب محفوظ.. لقد وجدنا من يكفّر علماء حصلوا علي نوبل وهو أمر نادر في مجتمعاتنا، والبعض يكفّر فتاة حاصلة على ميدالية أوليمبية لأنها سافرة حاسرة الشعر أو آخر حاصل على الذهبية لأنه تناول مشروباً بعد جهد وصراع قاتل في رمضان.. غياب المنطق بل التأكيد على كسر منطق ابن رشد وإعلاء الغزالي لهو سمة من سمات الديكتاتور الذي يستغل الدين لتثبيت أركان حكمه…. الإسلام كما يقدمه ابن عبد الوهاب خال من أي مرونة بحيث يتعارض دائماً مع العصر والمنطق هو أداة استعملها أبناء سعود لنهب ثروات بلادهم من قوم ذاهلين تائهين وهو المخطط نفسه الذي يسير عليه الوافد الجديد إلى ميدان السياسة المصرية، استغلال الدين وشغل المجموع بعدو وهمي اسمه العلمانية والليبرالية وعبّاد الشيطان الملحدين.. في مصر التي كل سكانها بنسبة 99% مؤمنين ومخلصين لأديانهم حتى لو كانت البهائية.. خلق عدو وهمي يجيِّش الدهماء لمحاربته.. وجعل المصريين في فسطاطين: فسطاط الإيمان الذاهب لحور العين، وفسطاط الفسوق الذي مآله جهنم وبئس المصير! هو دجل الدكتاتورية لتثبيت عرشها وخلق عدو وهمي يجاهد من أجل نفيه جماهير الأتباع.

إن الشعب الذي تعيش حكومته على التسول من الأغنياء، ويبني اقتصاده على الإحسان والتبرعات.. كما هو واضح من الإعلانات التي تصدمك يومياً في الشارع والجريدة والتلفزيون.. هو شعب فقير جائع محتاج مسحوق في البحث عما يسد به احتياج أسرته ونفسه، وهو دائماً ينظر إلى من يقهرونه ويذلونه عسى أن يصيبه منهم خير، ولا يصل إليه منهم إلا التوصية بالصبر وشد الحزام وخفض الاستهلاك وأحلام بجنة لا يدخلها إلا الفقراء.

الإخوان والسلفيون الورثة الأصليون لحكم العسكر.. يعرفون طريقهم جيداً لامتطاء ظهر هذا الشعب المحتاج، الذي لديه أعلى نسبة بطالة. وحتى الذين يعملون يعدّون، مع ارتفاع تكاليف المعيشة، في حكم من لا يعمل لقلة الدخل وعائد الجهد الشريف.. إنه برنامج النهضة أن يظل الشعب جائعاً جاهلاً محتاجاً ليبقى الديكتاتور يشرب من دمه. إن الفقر سبب لكل البلاء، ولقد رأينا كيف أن الآباء يبيعون الصبايا للمسنين مقابل بضعة جنيهات. ويتكرر هذا للفتاة نفسها مرات عديدة بعد غش السفهاء بإعادة ترقيع الغشاء.. إن الديكتاتورية لا يهمها تفشي الرذيلة مادامت في حدود تشريعاتهم.. ليتدهور كل ما هو جميل وراق، وتسود البلادَ حوادثُ السرقة والسطو المسلح والدعارة والرشوة واستغلال النفوذ، حتى ولو بعمل توصية من المرشد لتقبل كلية الشرطة أو الجيش ابن أحد أفراد الجماعة.. الوسيلة النهائية لتمكين الديكتاتور من شعبه هي أجهزة البوليس والتجسس والمخابرات.. لذلك حرص المرشد ورجاله على تأمينها وإطلاق مليشيات الجماعة لجمع المعلومات والوشاية بالزملاء.. وقد يكون جهاز السادس من نيسان واحداً من أجهزة عديدة مُوِّل ليرشد عن المعارضين ويوقع بالناشطين.

النظام القائم اليوم على حكم مصر، والذي تدعمه الشقراء الفاتنة كلينتون وعصابتها، هو نظام ديكتاتوري كامل الأركان والمعالم والأوصاف.. وهو أكثر خبثاً وانحطاطاً من ديكتاتورية العسكر. وعلى كل منا أن يعيد دراسة سمات الديكتاتورية التي استعرتهُا من المراجع المحايدة أعلاه، التي لا تعرف أنني سأستخدمها لوصف الحال في بلدي ليعرف إلى أي منزلق نحن متجهون.

(مضادات الديكتاتورية)

* (وجود الانتخابات في الدولة تكون انتخابات نزيهة يختار الشعب بها ممثليه بحرية كاملة.

* تكون مؤسسات الدولة مستقلة استقلالاً كاملاً.

* تثقيف الشعب وإطلاق حرية التعليم والتعبير).

السطور السابقة منقولة من المرجع نفسه وهي رغم بساطتها، إلا أنها العلاج الشافي لإسقاط الديكتاتور وعدم إعادة إنتاجه.. قد يكون من بين الإخوان المسلمين من لم تلوثه الدسائس ومن كان الوطن عنده أعز من حلم رومانسي سخيف عن غزو العالم، وإنشاء دولة الخلافة المزعومة.. وربما وعى أن الشيوخ من قادة الجماعة قد أعدوا العدة لهرسنا جميعاً.. أهلاً بك في فسطاط حب الوطن، والخوف على مستقبله، والعمل على أن تتبع الأساليب المتطورة لإنشاء مجتمع معاصر حديث.. وستبقى داخل التجمع كما كنت يوم خرجنا جميعاً نطلب التغيير.. وقبل أن يقفز عملاء الأمريكان من قادة جماعتكم على حلمنا، فيجعلون منه كابوساً.. أنت تعرف أن الانتخابات لم تكن نزيهة، وأنه قد استخدم فيها أساليب منحطة، كالرشوة والتزوير. وأنت تعرف أن برلمان الست أم أيمن لم يشهد التاريخ ما هو أكثر منه رجعية وتخلفاً.

اخرج معنا لنطالب بانتخابات نزيهة.. لا يطبخها الكهنة والعسكر والأمريكان بنقود خليجية ورشاً سعودية، اخرج معنا لنطالب بدولة مؤسسات تُفصَل فيها السلطة القضائية عن التشريعية عن التنفيذية، ولا يرأسها ديكتاتور يوظفها جميعها لصالح بقائه الدائم، معترضاً باحتكاره لها طريق تداول السلطة.. إن الشعب في حاجة إليك أن تعلّمه حقوقه بدلاً من دينه، فهو يعرف دين الفطرة بالفطرة ولا يخطئ فيه. ولكنه لا يعرف معنى الحرية والعدالة الاجتماعية والدستور الحافظ لحقوق الجميع. ولا يعرف أن فقيه الجامع عدو أحلامه، وانتقاله إلى مستوى حياة البشر.. المصري أمانة في رقبة المثقفين فعلِّموه، أطلقوا حريته، اجعلوه يُحلِّق في سماوات الإبداع والحرية والتعبير الإيجابي عن نفسه.. إنها البيئة الصحية لمقاومة الديكتاتورية، فهل نبدأ ولو بخطوة واحدة؟ (أن يعرف الناس أن الإخوان المسلمين تنظيم إرهابي فاشيستي ديكتاتوري عالمي، هدفه الارتفاع الاقتصادي والسياسي للجماعة على حساب جثث البسطاء من المصريين).

(في المجتمعات المتقدمة يكون الاستبداد فكرياً لا عملياً، فهو لا يقتل الإنسان ولا يحفر مقابر جماعية، بل يقتل الروحية المتحركة والفكر المتطور بحجج وأساليب خفية).

 

 نقلا عن مركز الدراسات والأبحاث الماركسية

العدد 1104 - 24/4/2024