ماذا يريد التكفيريون من سورية؟

-1-

في غرفة تحت الأرض بسجن كفر سوسة (1980)، تقدم شاب جزائري في العشرين من عمره -جاء ليجاهد في سورية- نحو النقابي الناشط في حقوق الإنسان المحامي ميشيل عربش، ودعاه أن يعتنق الإسلام.

قال ميشيل للشاب: (أنا محام سوري تجاوزت الخمسين من العمر، هل يعقل أنني لا أعرف الإسلام..؟ أنا أحترم الإسلام وأحفظ العديد من آيات القرآن، ربما أكثر مما تحفظ أنت، لماذا تفعل ذلك)؟

 رد الشاب الجزائري: لأقيم الحجة عليك، فلا تستطيع إنكار أنك دُعيت للإسلام.

ميشيل الذي كان بطبعه السمح مصدر البسمة لزملائه في السجن، والذي اختزن قلبه عداء لإسرائيل وللصهيونية ينسجم مع مسيحيته وعروبته، ومع إيمانه بحقوق الإنسان وبالحرية والديمقراطية ومحبته لوطنه. رد قائلاً: (في سورية ملايين المسلمين، لكنني طوال عمري لم أتعرض لموقف مماثل. كيف سأعمل إذا استوقفني كل شاب في عمرك ليدعوني للإسلام)؟.

-2-

ماذا يريد التكفيري الشيشاني والأفغاني والسعودي والجزائري من سورية؟

ماذا تريد عقلية ترى نفسها الحاكمة للبشر بتكليف من الله، حيث كل آخر هو دونها مقاماً؟

-3-

بعد بدر، أعطى النبي محمد (ص) للبشرية نموذجاً في معاملة الأسير، تباهى به المسلمون أمام العالم.

في سورية ذبح التكفيريون الأسير مع تكبير وتهليل (سبحان من حلّلك للذبح).

ليس إله محمد هو من حلل ذبح الأسير في سورية أو في أريحا قبل آلاف السنين، بل إله يشوع. وهو الإله نفسه الذي قالت المؤسسة العسكرية الأمريكية لجنودها إنه قد خلقهم ليقتلوا.

في فيتنام كتب جنود أمريكيون على خوذاتهم: (ولد لِيَقْتلْ).

إله محمد، قال للناس إنه خلقهم ليعرفوا.

محمد علي كلاي رفض التجنيد والذهاب إلى فيتنام، لأن نبيه محمد قال له إن الله يكره القتل.

ألهم ذلك الموقف الشباب الأمريكي، ودعم الحركة المدنية التي ناضلت لوقف الحرب على فيتنام. ثمة تناغم ظهر بين جوهري الإسلام والمسيحية وبين ما تناضل لأجله هيئات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان وحماية البيئة في تلك الحقبة.

تأذى البنتاغون وغيره من الأمثولة، فتطوعت سلطات عربية لإنتاج نقيض لها.

بضعة عقود، وباتت صورة الإسلام في المشهد العالمي هي نقيض ما قدمه موقف محمد علي، وظهر تناغم بين تيار المسيحية الصهيونية، وبين نظير له إسلامي.         

اليوم.. تتدفق أفواج التكفيريين إلى سورية بمساعدة المخابرات الأمريكية والبريطانية والإسرائيلية، وبدعم من حكومة أنقرة والرياض والرباط والدوحة، لتقتحم المدن السورية بتكبيرة (سبحان من حللك للذبح)، وليس بتلاوة (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت).

-3-

في عام ،2011 صرخت طفلة من حي القزاز بدمشق: (ليش هيك عم يعملوا فينا؟).

أرهبها التفجير، وهالها..أشلاء تناثرت فوق الأشجار والأرصفة والنوافذ.

بعد ساعات، أصدرت (جبهة النصرة) بياناً بمسؤوليتها عنه.

في عام ،2012 وفي مدينة جرمانا، فجرت سيارة في موكب تشييع.

تفحمت أجساد مشيعين، وكانت جبهة النصرة وراء ذلك.

كم تأذى الإسلام، من استخدامه كساتر لأفعال مماثلة!

ذلك يحتاج إلى دراسات وأبحاث. لكن يمكن القول إن قوته الناعمة قد ضعفت كثيراً نتيجة إزهاق التكفيريين لأرواح البشر تحت رايته.

كانت القوة الناعمة هي من حمى دعوة محمد (ص) في مكة، ومن نصر أصحابه في الحبشة، ومن ثبتها في يثرب. وكانت حاضرةً في كل سجال عسكري، بل ويتقدم خطابها في النصر خطاب السيف دائماً.

تنهال فتاوى القتل على أرض سورية كما مطر حامضي. وتندرج جل قوى الإسلام السياسي في خدمة أجندات الدول المفترسة تاريخياً لشعوب العالم الثالث، ويغمغم بعض قادتها بِنعَمْ مشفرة* لصلح وتطبيع مع إسرائيل، ويجهرون بنعم رنانة لتحرير سورية من الاحتلال.

المحتل وجب أن يكون من خارج البلاد (غريباً عنها) التي يقع عليها الاحتلال، كي تستقيم اللغة. وهم أساتذة في فقه اللغة. وفقه اللغة حَمَّال.

ويطرح سؤال نفسه:

هل من وجود في قاموس لغتهم السياسية والعقائدية، لمفردة المواطن التي من دلالاتها تمييز الساكن الأصيل* عن الدخيل الغريب؟

وبصيغة أخرى:

ممن سيحرر الشيشاني (شمال الشام)؟

 

* من إسطنبول، قال رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة عام 1948 الشيخ رائد صلاح، في 2/7/2012: (نؤكد صريحة مدوية أن تحرير الأراضي من الاحتلال الإسرائيلي يبدأ من تحرير سورية).

تحرير (الأراضي).. وليس فلسطين.

وورد، في مقالة للناطق الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية نشر في السابع والعشرين من شهر آب 2012: (أن نقر أولاً أن الشام من جنوبه إلى شماله محتل، وأن المحتل في شمال الشام هو أشرس وأقسى من المحتل في جنوبه).

العدد 1104 - 24/4/2024