العلاقات السورية ــ الروسية… تنسيق دائم وتعاون مستمر

اتسم خط سير العلاقات السورية – السوفييتية ومن ثم الروسية عبر تاريخها الطويل بالثبات والاستقرار والديمومة رغم كثرة الأحداث وسرعة التطورات المتلاحقة في العالم، ما يجعلها تتجاوز حدود الصداقة التقليدية لتؤسس مستوى استراتيجياً من التعاون والتنسيق الشامل والجامع للملفات والقضايا السياسية والاقتصادية، منطلقة في ذلك كله من قاعدة ثابتة هي الرؤية المشتركة لكل ما يتصل بقضايا العالم والمسائل الثنائية ذات الاهتمام المشترك، وانعكست على مستويات أخرى، كالعلمية والثقافية وغيرها من المجالات التي تتوسع فيها علاقات التعاون الثنائية، والتي ساهمت تاريخياً في بناء سورية وتطورها عبر العديد من الاتفاقيات.

 

العلاقات التجارية والاقتصادية

منذ بدء التعاون النشيط بين البلدين وُقع العديد من الاتفاقيات، إذ قام الاتحاد السوفيتي بتشييد 63 مشروعا، ومن أهمها سلسلة المحطات الكهرومائية على نهر الفرات، والعقد المائية مع المحطتين الكهرومائيتين (البعث وتشرين)، والمرحلة الأولى للمحطة الكهروحرارية (تشرين)، ومد 1500 كيلومتر من السكك الحديدية،  و3700 كيلومتر من خطوط الكهرباء، وبناء عدد من منشآت الري، وغيرها من المشاريع الحيوية الأخرى.

واكتشف الاتحاد السوفيتي  حقول النفط في شمال شرقي سورية، وقام  بإنشاء خطوط أنابيب لنقل المشتقات النفطية، ومعملاً للأسمدة الكيميائية مما سمح بتوفير نسبة 22% من الطاقة الكهربائية، و27% من النفط،  ومساحة 70 ألف هكتار من الأراضي المروية.

وانخفض حجم التبادل التجاري إلى حد كبير في مطلع التسعينيات، وعادت العلاقات الاقتصادية والتجارية فنمت بين سورية وروسيا نمواً لافتاً في السنوات الأخيرة، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بينهما في عام 2009 نحو 3,1 مليار دولار، كما يشكل حجم التبادل التجاري بين روسيا وسورية حوالي 20% من حجم تبادل روسيا التجاري مع كل البلدان العربية، ليصل في عام 2011 إلى نحو ملياري دولار.

وفي عام 1993 وقعت اتفاقية التعاون الاقتصادي والتقني التي  شُكلت بموجبها اللجنة الروسية السورية المشتركة، الخاصة بالتعاون في مجال التجارة والاقتصاد والعلم والتقنيات، وذلك في 15/4/1993. وعقدت حتى تاريخه ثماني دورات، آخرها في موسكو 20/7/2012 بين رئيس الجانب الروسي في اللجنة ألكسندر خلوبونين، مندوب الرئيس الروسي في  دائرة شمال القوقاز الفيدرالية، ورئيس الوفد السوري الدكتور قدري جميل نائب رئيس مجلس الوزراء – وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

 

العلاقات الثقافية والعلمية

لا تزال اتفاقية التعاون الثقافي والعلمي الموقعة عام 1995م قاعدة للعلاقات الروسية السورية في مجال العلم والثقافة، ويعمل في دمشق الأساتذة الروس، وتقوم البعثة الآثارية الروسية بتنقيبات في سورية، وتقدم الشركات الروسية مساعدات تقنية في ميدان الطاقة والنفط والري والثروة المائية، إضافة إلى تبادل الوفود والخبراء والعلماء بين الدولتين.

 

تنظيم علاقات التعاون

العلاقات مع روسيا ليست وليدة الأيام الحالية أو السنوات العشر السابقة، وإنما تعود إلى عام ،1962 حين وُقع على اتفاق تعاون في مجال النقل الجوي، تلتها اتفاقية لتعادل الشهادات والدرجات العلمية موقعة في عام ،1966 واتفاق في مجال النقل البحري عام ،1983 واتفاق ثنائي لتبادل خدمة البريد العاجل الدولي، واتفاق آخر للتعاون التجاري والاقتصادي والفني في15/4/،1993 والبرنامج التنفيذي الطويل الأجل لاتفاق التعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والفني في 15/4/،1993 إضافة لاتفاقات ومذكرات تفاهم بلغ عددها حوالي 43 اتفاقية ومذكرة تفاهم، معظمها في المجالات الثقافية والسياحية والتجارية والصحية والعلمية والصناعية والطاقة والري وتجنب الازدواج الضريبي.

كما تمّ خلال الزيارة الرسمية للسيد الرئيس بشار الأسد إلى روسيا الاتحادية في الفترة من 24 إلى 27/1/2005 التوقيع على عدد من الاتفاقيات منها: اتفاق حول التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، واتفاق حول النقل الدولي الطرقي بالسيارات، وفي مجال النفط وقعت اتفاقيتان: الأولى: اتفاقية تعاون في مجال النفط والغاز، والثانية بهدف بناء مصنع لإنتاج الأنابيب البازلتية، إضافة إلى اتفاق تعاون مصرفي وآخر لتسوية المديونية بين حكومة الجمهورية العربية السورية وحكومة روسيا الاتحادية. إذ إن سورية في عام 1990 كانت مدينة لروسيا بنحو 4,13 مليار دولار ثمناً لصفقات أسلحة مختلفة، وقد تفاوض الجانبان حول هذه الديون وألغي 73% منها.

يضاف إلى ذلك مذكرة تفاهم في مجال المواصفات والمقاييس، وعقد لإنشاء معمل لمعالجة الغاز شمال المنطقة الوسطى، وأيضاً مذكرة تفاهم للتعاون المشترك بين مجلس رجال الأعمال السوري- الروسي واتحادات غرف (التجارة، الصناعة، الزراعة، السياحة، الملاحة البحرية السورية)، ووقع أيضاً اتفاق للتعاون في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية والمواد المشكلة لها، ومذكرة تفاهم للتعاون في مجال البحوث العلمية الزراعية.

كما تمّ خلال زيارة السيد رئيس جمهورية روسيا الاتحادية إلى دمشق خلال الفترة ما بين 10و 11/5/2010 التوقيع على عدد من الاتفاقيات كالتعاون العلمي- التقني، وأخرى في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، واتفاقية للتعاون في مجال النقل الجوي.

ومؤخراً وفي خضم الأحداث المقلقة التي تشهدها الساحة السورية كان من أوليات الحكومة التوجه شرقاً، لا سياسياً فقط وإنما اقتصادياً، بهدف إيجاد حلول لمفرزات الأزمة، وذلك بعد العقوبات الجائرة وغير الشرعية التي فرضها المعسكر الغربي على سورية والتي أضرت كثيراً باقتصادنا، إذ استهدفت معظم القطاعات مثل قطاع النفط والقطاع المالي وغيرهما، كل ذلك لامسه المواطن السوري وتأثر به بالدرجة الأولى، حتى وصل إلى مستويات لم تعد مقبولة، وأمسى العيش في ظلها صعباً.

وهذا ما دعا الحكومة السورية للبحث شرقاً عن أسواق اقتصادية تستعيض بواسطتها فاقدها الغربي، (ما يعني العلاقات مع الدول التي تماثلنا والشرق بالنسبة لنا روسيا والصين والهند وفنزويلا أيضاً، كما صرح النائب الاقتصادي.

وعن التوجه شرقا قال الدكتور قدري جميل: (إن الحكومة السورية تعمل على إعادة ترتيب الاقتصاد على أساس نموذج جديد من العلاقات الدولية)، وتابع يقول: (إن اختيار الحكومة السورية ذلك التوجه ستكون له انعكاسات مباشرة على معيشة المواطن السوري بكل جزئياتها وتفاصيلها اليومية)، مؤكداً أن الحكومة ستثبت بالوقائع والأفعال خلال الأسابيع القليلة القادمة كيفية إعادة توجيه الاقتصاد السوري نحو الدول الصديقة التي أكدت صداقتها لسورية في الأوقات الضيقة والصعبة.

وبانتظار أن نلمس نتائج هذه الإجراءات على أرض الواقع، والتي من شأنها أن تعيد دوران عجلة اقتصادنا بعد عقد من السياسات النيوليبرالية التي ألغت الدور الاجتماعي والرقابي للدولة، بالتوجه غرباً. ونحن نجنى الآن نتائج تلك السياسات المنفلشة، وأن تتمكن الجهات الاقتصادية المعنية بهذه الاتفاقيات التي تبرمها أن تؤمن أسواقاً جديدة لمنتجاتنا ومنافذ بيع خارجية بديلة عن الأسواق التي تراجعت فيها المنتجات السورية نتيجة العقوبات الجائرة. ونأمل أن تسهم هذه العلاقات اليوم على حل المهام الكبرى الماثلة أمام الشعب السوري، وتسهم في الحد من الأعباء الاقتصادية التي تكبدها نتيجة الأزمة التي تشهدها البلاد منذ عام ونيف تقريباً.

العدد 1105 - 01/5/2024