الأزمة السورية بين القانون الدولي والمحلي

تتسم الأزمة السورية ببعدين: محلي، ودولي، بشكلٍ جلي لا يحتاج إلى تدليل ولا توضيح، وإن كان لا ضرر فيهما. فالبعد المحلي يتجلى بالمطالب المشروعة والمحقة للمواطن السوري بالقضاء على الفساد وتحقيق التوزيع العادل للثروة الوطنية وإجراء التغيرات السياسية  والاقتصادية والقانونية  الضامنة والمنتجة للوسائل المحققة لهذه الأهداف.أما البعد الدولي فيتجلى في التدخل الدولي والإقليمي في الشؤون الداخلية للدولة السورية.

بدأت الأزمة السورية بتظاهرات سلمية تطالب ببعض المطالب الإصلاحية، وفق بعض الآراء، ومدفوعة عن علم أوجهل من جماعات وجهات خارجية ترمي إلى تحقيق أهداف أبعد بكثير مما رفعته تلك التظاهرات، ألا وهو إسقاط النظام لمصالح دولية وليست وطنية، وفق آراء أخرى.فهل يحق للدولة التصدي ومنع التظاهرات والحيلولة دون توسعها وانتشارها وفق القانون؟

 للإجابة عن هذا السؤال لابد من العودة إلى القانون الدولي والقوانين الداخلية الناظمة لمثل هذه الأعمال، آخذين بالحسبان أن التصدي للتظاهرات يكون بتحقيق المطالب المحقة للمتظاهرين مع  الحق  في التدخل غير العنيف لأجهزة الدولة المعنية بحفظ النظام، لمنع انتشار واتساع رقعة مثل هذه الأعمال، لما تسببه من تعطيل وشلل في سير الحياة العامة والخاصة على حد سواء.

 من وجهة نظر القانون الدولي: إن الحق في التظاهر السلمي مكفول ومعترف به في جميع المواثيق الدولية، باعتباره دلالة على احترام حقوق الإنسان في التعبير عن نفسه، وأهم مظهر من مظاهر الممارسة السياسية الصحيحة، إذ تنص المادة 21من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على: يكون الحق في التجمع السلمي معترفاً به.

ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.

 ومن وجهة القانون الوطني المحلي:لما كان القانون السوري لم ينظم ظاهرة التظاهر قبل بدء الأزمة، فقد صدر بعد الأشهر الأولى للأزمة وفي 21/4/2011 المرسوم التشريعي رقم 54 المعني بتنظيم التظاهر السلمي في سورية. والذي أقر فيه هذا القانون حق التظاهر السلمي للمواطنين، باعتباره حقاً من حقوق الإنسان التي كفلها الدستور السوري. وجاء في المادة الثالثة منه :يحق للمواطنين والأحزاب السياسية والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع الأهلي المرخصة أصولاً، تنظيم المظاهرات بما يتفق مع مبادئ الدستور وأحكام القوانين النافذة في الجمهورية العربية السورية، وبما لا يؤدي إلى عرقلة سير المرافق العامة بانتظام واضطراد.كما يجب أن تحصل المظاهرة على رخصة مسبقة من وزارة الداخلية.

  فوفقاً لما سبق، كل مظاهرة تخرج دون ترخيص هي عمل غير مشروع وفق القانون المحلي والقانون الدولي على حد سواء. لم تتسم جميع المظاهرات بالسلمية، بل رافقتها أعمال اعتداء على مقرات حكومية وعلى بعض رجال الدولة والموظفين.  ولم تمر المظاهرات دون وقوع إصابات وقتلى في صفوف المتظاهرين.اتهمت الجهات المعارضة الحكومة بهذه الأعمال، بينما نفت الحكومة مسؤوليتها، موجهةً التهمة إلى جهات تسعى إلى تأزيم الأوضاع وتعميق الأزمة. الأمر الذي بدا واضحاً في التوجهات والسياسات الإعلامية لبعض المحطات التي لم تسع إلى تخفيف الاحتقان الداخلي الآخذ في التنامي، وإنما على العكس تماماً عملت بشكلٍ ممنهج على تشكيل هذا الاحتقان وتعميقه محرضة المواطنين بشكل مباشر وغير مباشر على الحكومة والدولة، وهو المسعى ذاته الذي اتخذته بعض الشخصيات السياسية والدول.

فما هي النظرة القانونية إلى مثل هذه الأعمال؟

إن هذه الأعمال وفق القانون الدولي هي أشبه بتدخل خارجي في الشؤون الداخلية لدولة مستقلة ذات سيادة أولاً، وأشبه بتحريض مواطني هذه الدولة على العنف ضد حكومتهم  ثانياً. لا سيما عندما بدأت تلك الدول تدعو إلى تسليح المعارضين. وهكذا انتقلت المعارضة إلى المواجهة المسلحة مع الحكومة تحت عنوان الدفاع عن النفس وعن المظاهرات، مدعومة سياسياً ولوجستياً من جهات إقليمية ودولية. مما عزز التدخل الخارجي المباشر في شؤون الدولة السورية. فكيف يمكن توصيف هذه الأعمال وفق القانون الدولي؟ يدعو القرار 1624 (2005)، المتعلق بالتحريض على ارتكاب أعمال الإرهاب، الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى أن تحظر بنص القانون التحريض، وأن تمنع مثل هذا التصرف، وأن تحرم من الملاذ الآمن أي أشخاص (توجد بشأنهم معلومات موثوقة وذات صلة تشكل أسباباً جدية تدعو إلى اعتبارهم مرتكبين لذلك التصرف). وتندرج الأحداث الجارية في سورية في الوقت الحالي وفق القانون الدولي تحت  مسمى النزاع المسلح وأعمال الإرهاب في بعض جوانبها.  وبهذا تكون جميع الدول الداعية إلى التدخل العسكري والداعمة بالمال والسلاح للطرف غير المخول بحمل السلاح وفق الشرعية الدولية تخرق بشكل صريح جميع نصوص القانون الدولي. فالأصل في النزاعات الدولية هو حل النزاعات بالطرق السلمية دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول وفق ميثاق الأمم المتحدة. ولا يجيز هذا الميثاق اللجوء إلى مجلس الأمن تحت الفصل السابع إلا في حال كون الدولة المطلوب اتخاذ إجراءات عسكرية تجاهها تهدد الأمن والسلم العالميين. فإن كنا نعيش في زمن ازدواج المعايير فنحن الآن نعيش في زمن قلب المعايير، إذ أصبحت الدول الداعية لحل الأزمة بالطرق السلمية بما يحقق مطالب الشعب السوري المشروعة والمحقة توصف بالمعرقلة لتطبيق القانون الدولي والمعادية للشعب السوري، وتلك الداعية إلى التدخل العسكري والعاملة على استمرار النزاع المسلح  وزيادة التسليح بالدول الراعية للقانون الدولي والصديقة للشعب السوري.

العدد 1104 - 24/4/2024