كمّادة أوباما للفقراء… وتعويذة رومني للأغنياء!

لاجديد في مناظرة مساء الأربعاء الفائت بين المتسابقين إلى البيت الأبيض سوى تقديم الإثبات بقدرة كلّ منهما على إطلاق مزيد من ال (بروباغندا) لصالح حزبيهما الديمقراطي والجمهوري. فالأفكار ذاتها لم تتغير منذ أن بدأ عصر المناظرات التلفزيونية في الولايات المتحدة وبالتبعية من بعدها في دول غربية أخرى.. فما يقوله المرشح الديمقراطي  للفقراء، (أو ما يسمّى بالطبقة الوسطى) كلّ أربع سنوات ليس أكثر من كمّادة خفض الحرارة حين تستعمل لمعالجة مرض خطير كالتهاب السحايا على سبيل المثال. أمّا خطاب غريمه التقليدي من المقلب الجمهوري فأشبه بتعويذة تُقرأ أمام أغنياء الولايات المتحدة، وغايتها فتح شهيتهم نحو مرحلة جديدة من تكديس الثروة ونهب خيرات العالم!

في المناظرة التي استمرت 90 دقيقة في دينفر بولاية كلورادوحضرها 67 مليون أمريكي، بدا  رومني الجمهوري أكثر عدوانية في انتقاده لرؤيته أوباما وما حققه فعلياً، لكن الأخير دافع بحزم عن الإنجازات التي تحققت أثناء ولايته، وتحدى خطط منافسه، واصفاً إياها بالعقيمة وغير القابلة للتنفيذ.

وإذا كان الاقتصاد، وبالتحديد السياسات المتعلقة بكيفية فرض الضرائب أولاّ، وبالقدرة على توفير فرص عمل ثانياً، وبنظام الرعاية الصحية ثالثاً، هي الشغل الشاغل للأمريكيين اليوم، في وقت قلبوا فيه ظهر المجن للسياسات الخارجية؛ فلم تقدم المناظرة التلفزيونية الأولى ولم تعدل شيئاً في خطط المرشحين ورؤيتهما أو رؤية حزبيهما لمستقبل الولايات المتحدة خلال السنوات الأربع القادمة. ولا نعتقد أنّ المناظرتين القادمتين ستضيفان شيئاً جديداً.. وفيما يلي تلخيص للنقاط المتباينة في الرؤية حول السياسات الضريبية وخلق فرص العمل وكيفية إدارة الميزانية الفيدرالية:

باراك أوباما: زيادة الضرائب على الشريحتين اللتين تفوقان 208 آلاف و250 دولاراً. المعدلات الضريبية توازي تلك التي كانت قبل عهد جورج بوش الابن (36% و6,39%). زيادة الضرائب على عائدات الرساميل من 15 إلى 20% للجميع. تقليص الضرائب على الشركات من 35% إلى 28%، وصولاً إلى 25% لبعض الشركات. وفي وصف رومني خفض الضرائب التي اقترحها بنحو خمسة تريليونات دولار، ردّد أوباما تصريحات للرئيس الأسبق بيل كلينتون كان قد قال فيها: إن (الحساب لا يكون منطقياً دون زيادة الإيرادات الضريبية)، وهو أمر يرفضه رومني كليّاً.

باراك أوباما: خلق مليون وظيفة في القطاع الصناعي بحلول العام 2016 من خلال تشجيع الشركات على (إعادة نقل) إنتاجها إلى الولايات المتحدة، خصوصاً من خلال إجراءات ضريبية. مضاعفة الصادرات لدعم سوق العمل. تقليص الواردات في قطاع الطاقة إلى النصف بحلول العام 2020 من خلال تطوير الموارد من الغاز ومصادر الطاقة (الخضراء) (الصديقة للبيئة)..

 ميت رومني: خلق 12 مليون وظيفة من خلال توزيع النمو عبر تخفيض الضرائب وتشجيع القطاع العام وفتح الأسواق الخارجية وتطوير الموارد الأمريكية من النفط والغاز.

أخيراً، وبالنسبة للميزانية فإنّ باراك أوباما يرى: تقليص إنفاق ال 4000 مليار دولار المتراكمة على عشر سنوات، بينها 2000 دُوِّنت رسمياً، ونحو1950 ملياراً منها متأتية من زيادة الضرائب على الأكثر ثراء ومن وقف الإعفاءات الضريبية للشركات، وتوفير 850 مليار دولار بفعل إنهاء حربَيْ العراق وأفغانستان.. في حين يرى ميت رومني: تحديد سقف للميزانية الفدرالية عند 20% من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 4,24% عام 2012. التصويت على (قاعدة ذهبية) في الدستور واشتراط تأمين أغلبية ساحقة في أي تصويت لرفع الضرائب في الكونغرس. إلغاء إعفاءات ضريبية (غير محددة) لتمويل تخفيض عام على الضرائب. تبديل نصف عدد الموظفين العامين بهدف تقليص عددهم بنسبة 10%. ومساواة رواتب القطاع العام مع تلك التي تُقدم في القطاع الخاص.

لابدّ لنا من الإشارة أيضاً إلى تنازع أوباما ومنافسه في جزء آخر من المناظرة على قوانين ومشاريع قوانين إصلاح أساسية مُرِّرت في عهد أوباما. على سبيل المثال: كرّر رومني تعهده بإلغاء واستبدال كلّ من قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية الذي أقّر عام ،2010 ومشروع قانون إصلاح وول ستريت.

لقد وصف معظم المهتمين والمتابعين أداء ابن شيكاغو أوباما في تلك المناظرة بالباهت، بيد أنّ الإعلان عن تراجع معدل البطالة الأمريكية إلى مادون عتبة 8%  في أيلول الفائت (8,7 بالضبط نزولاً من 1,8% في آب) والذي جاء بعد المناظرة بيومين فقط، قد ردّ للمرشح الديمقراطي النفس ثانيةً، كيما يواصل الجري للبقاء في البيت الأبيض لأربع سنوات أخرى.. حلمٌ صعب المنال، لكنّه ليس مستحيلاً على أيّة حال!

العدد 1105 - 01/5/2024