تلمع ولا تنفع

قد تتشابه الملابس، لكن الحشوات تختلف، وقد يصل إلى القمم مَن ليسوا بمستوى علوّها، وقد يصيب الهدف من لا هدف له، وقد يغرق السباح الماهر ويختنق إذا علق برجليه بعض الطحالب والإشنيات الضعيفة.

ولا يُلام العظماء والفلاسفة الكبار إذا كان بعض أقربائهم لا يميزون أبداً بين الورد والشوك، أو التنك والماس والصفيح والتبن والشعير.

وهل تقاس قرابة النسب والرحم بقرابة الفكر والروح؟ وهل يوزن الذهب بميزان الخشب والحصى والتراب؟

وما ذنب الأرض إذا زرعنا في تربتها حبوباً فاسدة ينخرها السوس، أو شتلات يابسة لا جذور لها؟

ولا تلام الشمس إذا وقع نورها على مَنْ فقد البصيرة، وسفهاء العقول.

وهل هنالك من ذنب يقع على ورق أبيض، كتب عليه كلمات بنية سامة، وأهداف رخيصة؟

أَوَلا يحمل بعض الورق الأسمر أحياناً كلاماً ساطع النور قوي المعنى؟!

وقد يؤذي بعض الطعام المعدة إذا لم يغسل، أو يهضم جيداً. كما أن بعض المبادئ العظيمة، والقيم السامية قد تشل حركة من يحملها وتفكيره، لا لثقلها عليه، بل لفهمه الخفيف أو المغلوط لها.

ومهما غلينا الوحل، وعطرناه بالمسك والعنبر، فسيبقى وحلاً، مثلما الخل لا يصبح عسلاً بمجرد وضعه إلى جانب بيوت النحل.

ومن يزرع الشوك فعليه أن ينتظر الجراح، ومن يزرع البراكين لن يكون حصاده إلا مزيداً من الحمم والنار.

والناس أشجار.

وقليلة هي تلك الأشجار القادرة على الوقوف في وجه الريح وأجنحة العواصف، فمهما كانت الشجرة طويلة وضخمة فسوف تسقط وتنهار إذا لم تكن جذورها متغلغلة في لحم الأرض.

إن صمود الشجر لا يتوقف على ثمارها أو أغصانها الطويلة المتجهة نحو الشمس، بل على عمق جذورها القابعة في العتمة.

ولا تزيد الخطوات الواسعة العقل فهماً والقلب إدراكاً، كما أن بعض الرؤوس كبيرة حجماً، ضئيلة معرفة وفهماً للمعنى.

ثمة غيوم كثيرة في سمائنا، إنما البروق قليلة الحدوث فيها، وإذا حدثت فأكثرها يلمع ولا ينفع. أي أن البرق الحقيقي لا يخصب الغيوم ويمنحها أطفالاً من المطر والثلج إلا إذا كانت تلك الغيوم مستعدة للحمل، فالأرض لا بد من تهيئتها وحرثها جيداً، وتنظيفها من الشوك والعليق والديدان والعقارب قبل أن نزرعها بالقمح ونزيّن جسدها بالورد والياسمين.

والثياب الجميلة، المزركشة، والمطرّزة بالذهب والفضة لا تزيد من قيمة من يرتديها أو يملكها، إذا كانت واسعة على أجسادهم أو ضيقة، وما يهم في النهاية هو الناموس لا الفلوس. (وإن ارتداء الأطفال لأحذية الكبار لن توسع خطواتهم، حتى ولو كانت من ذهب وياقوت، بل على العكس تماماً، فربما تعرقل سيرهم في الحياة، وتقف عائقاً بينهم وبين الأهداف التي يسعوْن لتحقيقها).

العدد 1105 - 01/5/2024