نحن والغوريلا

أثناء تنقلي ما بين القنوات التلفزيونية الفضائية بحثاً عما يمكن أن يصرفني عن نشرات الأخبار وعواجلها وملحقاتها المثيرة للأشجان، ويحول دون وقوعي في براثن أحد تلك البرامج الفنية المنوعة المثيرة للغثيان ، ظفرت ببرنامج علميٍّ يبحث في مقدرات العقل البشري وإمكاناته وطرائق عمله.

وفي سياق شرحهم لآلية التركيز والانتباه في الدماغ، قام الباحثون بإجراء تجربة  علمية  مثيرةٍ كان ميدانها ملعب كرة سلة ، حيث طُلب إلى مجموعة من المتطوعين – إضافة  إلى مشاهدي البرنامج – مراقبة حصة  تدريبية  لمجموعة من اللاعبين انقسموا إلى فريقين، والتركيز على إحصاء أكبر عدد من التمريرات المتتالية التي يستطيع كل فريق تحقيقها قبيل أن يقطع الفريق الآخر الكرة.

وعند تقديم المتطوعين لنتائج ملاحظاتهم كان يوجه إليهم سؤال عما إذا كانوا قد لاحظوا وجود أي شيء غريب غير مألوف أثناء التمرين، فكانت النتيجة أن أجاب87% منهم بالنفي القاطع، فيما جاءت إجابة ال 13% الباقين غريبة أشبه بنكتة  قد اتفق عليها: بالطبع.. لقد شاهدت غوريلا تتجول في أرض الملعب!

ولدى إعادة عرض التمرين ( بالسرعة الاعتيادية ) تبدّت النتيجة المذهلة: حقيقة  كان ثمة رجل يرتدي زي غوريلا قد دخل أرض الملعب بُعيد انطلاق صافرة بداية التمرين بلحظات  وراح يتبختر بين اللاعبين بخيلاء  لأكثر من نصف دقيقة قبل أن ينسلّ خارجاً بكل ثقة وهدوء دون أن تلاحظه عيون 87 % من المراقبين الذين انصرف كل تركيزهم إلى إحصاء عدد التمريرات.. وبالطبع كنتُ منهم.

لسنا بالطبع في وارد تقييم هذه التجربة العلمية الفذة ونتائجها من حيث السياق التخصصي البحت الذي قُدمت فيه، ولكن التأمل في دلالاتها مع إضفاء شيء من الرمزية إلى أدواتها وعناصرها ربما يقودنا إلى اكتشاف بُعد  آخر لها، يوحي بافتراض جدواها في تفسير حالة معينة تبدو متصلة بمجال علمي آخر غير بعيد  عن ذات السياق، لعله أحد فروع علم النفس.

باستقراء دلالاتها و الاستنتاج منها و من ثم القياس عليها.. ألا تحضرنا صورة واقع ما، قدمت لنا هذه التجربة عيّنة مخبرية دقيقة منه حتى ليبدو وكأنه التطبيق الواقعي النموذجي للتجربة ذاتها؟

ألا تستحثنا بكل بساطة  على طرح تساؤل  مشروع:

متى نرى الغوريلا التي تتجول بيننا؟

العدد 1105 - 01/5/2024