التأجيل

قد تؤجل مسألة أو قضية لضرورة ما أو لطارئ ما. وفي أحيان أخرى يحمل التأجيل ضرراً كبيراً، كمن يؤجل مثلاً قطف الأقطان إلى شهر كانون الثاني، أو زرع القمح إلى شهر نيسان. ولكن هل يمكن في هذا الطقس البارد تأجيل التدفئة؟ هل هناك إمكانية لتبديل الطاقة، فبدلاً من المازوت يمكن التدفئة بواسطة الكهرباء أو الغاز. وإذا لم تتوفر هذه البدائل فهل يقدر  المواطن على تأمين الحطب للتدفئة؟ وإذا لم يتوفر المال يقول عاري العليان، فالبطانيات جاهزة دائماً! ويقول أحد العارفين بشؤون التدفئة وملحقاتها: إن أفضل الوسائل أن نبقى بلا هذه المادة أو تلك وأن نتدفأ على أنفاسنا!

لا يوجد أحد لا يعرف أسباب عدم وجود المازوت والغاز وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة في اليوم. ولا يوجد أحد يدرك أن الأزمة السورية قريبة الحل.. ونعلم جميعاً الأخطار المحدقة بالوطن، والأضرار التي ألحقها الحصار الاقتصادي بالشعب السوري، والخراب الذي يمارسه المسلحون للملكيات العامة والخاصة.

هناك مئات القضايا يمكن تأجيلها لمدة قصيرة أو طويلة، وذلك حسب واقع وطبيعة كل مسألة. ويستطيع المواطن مثلاً أن يمضي سهرته على ضوء الشموع أو على ضوء الفانوس، وأن يستخدم النفط (بلا رائحة) بدلاً من زيت الكاز. وأن تستخدم ربّة المنزل (السخانات الكهربائية الفخارية) نظراً لعدم توفر الغاز. وقد ارتفع سعر السخانة من 50 إلى 350 ليرة. والمواطن الغلبان غير قادر أن يدفع ثمن أسطوانة الغاز 2200 ليرة فقط لا غير! وثمن ليتر المازوت 100 ليرة. وفي معظم أحياء دمشق، خاصة التي يطلقون عليها اسم (الأحياء العشوائية) تلمع الكهرباء لمعاناً ثم تغيب يوماً، ثم تلمع في اليوم التالي، وتنشرح الصدور وتظهر تضاريس الابتسامات الناعمة على ثغور الكبار والصغار. عندئذ يفتحون كتبهم كي يحضِّروا للامتحان، لكنهم يصابون بعد دقائق بالخيبة. ويبدأ الظلام ولا يظهر النور إلاَّ في الصباح!

تسير الأيام محمّلة بالهموم الثقيلة والأحلام المختصرة لدرجة الذوبان مع زفير الأنفاس الباردة.

كثيرون يصفون من يؤجل عمله إلى الغد (بالاتكالي). وهناك من يقتدي بقول السيد المسيح (لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد).

كل شيء يمكن تأجيله إلاَّ الموت العصي على التأجيل. وكذلك الأحلام المزروعة في ذاكرة الإنسان. ومهما كانت الدوائر المحيطة بالشخص تميل إلى السواد، والفضاء يكسوه الضباب والغيوم الرمادية، تظل الأحلام رافعة رؤوسها عالياً تبحث في أعماق الظلام عن ثقب تطلّ منه إلى العالم الخارجي.

وفي هذه الأيام العصيبة التي يمرّ بها الوطن والمواطن، أصبحنا بحاجة إلى تنفيذ خطة الحل السياسي التي تبنَّتها الحكومة السورية وعدم تأجيلها مهما كانت الظروف. وإلا فسيزداد نزف الدماء أكثر فأكثر، وتزداد أيضاً أعمال التفجير والتخريب التي تنفذها المجاميع الإرهابية – التكفيرية.

إن تأجيل أي عمل لا يكون عشوائياً، بل يحتاج إلى معرفة الظروف المحيطة به، وتوفر ظروف مؤاتية تحقق له النجاح والاستمرار والديمومة، وإلاَّ فماذا يستفيد صاحب التأجيل؟

العدد 1104 - 24/4/2024