كي لا ننسى: إحسان بهاء الدين الجابري

ولد إحسان بهاء الدين الجابري في حلب عام 1902 وتلقى علومه الأولى في مدرسة ألمانية في حلب، ثم أتم تعليمه في التجهيز السلطاني حتى الصف الثاني عشر، وما لبث أن غادر حلب عام 1922 وحطّ الرحال في ألمانيا للدراسة على حساب أهله.

قال الجابري في مقابلة معه عام 1974:

(كنت أحمل الفكرة الدينية الداعية إلى إصلاح المجتمع، وجدتهم في ألمانيا نظاميين وشغيلة دون أن يكونوا مسلمين. قرأت بالألمانية كتباً كثيرة، وتأثرت بأستاذي فردريك فلهم فرستر، وهو يعيش كما يتكلم، أفعاله مثل أقواله. عندما ضُربت دمشق بالقنابل عام 1925 لم تتحمل أعصابي ذلك الاعتداء، وبمساعدة أستاذي فرستر كتبت في جريدة (مينشهايت) اليسارية، في فسبادن مقالات عدة في فضح الإمبريالية.

سنة 1926 قال لي فرستر: أريد أن أعرّفك على صديقي تسيمرمان الفرنسيسكاني الغني، الذي وهب كل أملاكه للكنيسة، ثم انتقل من قراءة التوراة إلى قراءة ماركس، عندما التقيت بتسيمرمان قال لي: المسيحي الحقيقي يجب أن يكون أول شيوعي في العالم. ومع الزمن ازددت قرباً من الحركة العمالية، وأخذت أحضر اجتماعات النقابات العمالية، واستمعت بشغف إلى أرنست تيلمان رئيس الحزب الشيوعي الألماني، وهو يخطب في حشد جماهيري، وتأثرت بالمشهد، وكنت أقرأ جميع الجرائد من مختلف الاتجاهات، وحصلت على تخصص مهندس كهرباء واقتصاد.

عدت إلى حلب عام 1928 وأنا أحمل أفكار الإصلاح، وأكره الرأسماليين والتجار. في حلب عملت في الأشغال العامة، وصرت أدافع عن الفلاحين المستعبدين، وأهاجم الرأسماليين الجهلة، وأنتقد الحكومة، ومع ذلك لم يتعرضوا لي، ولكنهم لم يستطيعوا هضم ما أقوله من أفكار، بعد ذلك انتقلت إلى دمشق وبنيت خط ترامواي دمشق – دوما).

لم يكن إحسان الجابري بعيداً عن الوسط الشبابي المتنور في دمشق، وكانت له علاقة وثيقة مع الأب الروحي لماركسيي ثلاثينيات القرن العشرين كامل عياد، ومعروف أن كامل عياد درس في ألمانيا وتأثر بالأفكار الماركسية فيها كالجابري. تعرف الجابري عام 1937 في دمشق على خالد بكداش، وتوطدت العلاقة بينهما، وعندما لوحق بكداش عام 1941 اختبأ أكثر من شهر في بيت المهندس إحسان (ابن الجابري) الذي لا تحوم حوله الشبهات.

ويقول إحسان الجابري عن حياته:

(لم تكن تقنعني دراسة العلوم وحدها، كنت أحس منذ بدء دراستي بتلك الصلة العميقة التي تكمن بين العلم وبين الإنسان، وكنت على يقين بأن العلم يجب أن يوضع في خدمة الإنسان، ومنذ ذلك الحين وجّه إحسان الجابري عنايته إلى الدراسة الاجتماعية والفلسفة والأخلاق، وهكذا نشر الجابري عام 1937 دراسة نشرها في مجلة (الطليعة) التقدمية الدمشقية تحت عنوان (من أين يعيش الشعب السوري).

نشر الجابري عام 1939 كراساً تحت عنوان (مسألة عمال المدن في سورية)، تناول فيه القضايا التالية: مسألة العمال على ضوء المعضلة الاجتماعية، التنظيم النقابي، أوضاع اليد العاملة والحركة العمالية في سورية، واجباتنا حيال العمال).

وكتب الجابري: قضية تحرير الطبقة العاملة هي الدعامة الرئيسية التي ترتكز عليها قضيتنا الوطنية، واهتمامنا بالطبقة العاملة هو مقياس لصدق وطنيتنا وإيماننا بالعدالة الاجتماعية التي نستمد منها حجتنا بالاستقلال والسيادة القومية.

العدد 1105 - 01/5/2024