ستوب.. نقطة على السطر

يحكى أن الله عندما وهب الإنسان النطق، من دون سائر المخلوقات. أوصاه أن لا يتكلم إلاّ عند اللزوم، وإذا تكلم، أن يقتصد.

من الناس، من يتكلم، فتتمنى، لطريقة لفظه ومعنى ملفوظه ووقع صوته، لو أنه يواصل كلامه ويستطرد ما شاء له الاستطراد. ومن الناس من يتكلم فتتمنى، لطريقة لفظه ومعنى ملفوظه ووقع صوته أيضاً، لو يتوقف عن الكلام ويصمت إلى ما لا نهاية.

لئن كان الصمت مشهوراً ومشكوراً على الأغلب وللأغلب، فلا بأس من التكلم قليلاً حول (الاستطراد). فلعلّ هناك من يجهلونه أو لا يفهمونه تماماً، كصديقتي الصغيرة رشا التي سألتني مرة، ببراءتها ولثغتها وعلى طريقتها بلفظ الكلمات (ملخبطة) حروفها حسب سهولة النطق بها، عندما قالت:

(عموّ، شو يعني استطرد قائلاً؟)

يليق بنا لدى التكلم بخصوص (الاستطراد) أن نبدأ بفرش معناه وتعريفه. على الرغم مما قد تسببه التعاريف ­أحياناً­ من تحجيم للخيال ومصادرة للاجتهاد وتكريس للمنجز.

من معاني استطرد، حسب ما جاء في معجم مكتسباتي المعرفية وتحصيلي اللغوي:

استطرد فلان الشيء، بمعنى جعله طرداً. كأن نقول:

استطرد فرع شارع الحمراء لشركة القدموس كل ما بحوزته من أغراض وصلته هذا الصباح.

واستطرد، بمعنى دعا إلى طرد شيء أو شخص ما، كأن نقول:

استطرد أهالي حلب الشهباء الجيش السوري للعصابات السلفية الإرهابية التي عاثت بالممتلكات والناس تخريباً وبطشاً وذبحاً وتمثيلاً. حتى الشجر والحجر لم يسلم من أحكامها وتكفيرها وإعداماتها. فقد حكمت تلك العصابات ميدانياً على شاعرنا الأديب والفيلسوف، صاحب رسالة الغفران، أبي العلاء المعري، بالزندقة ونفذت به عقوبة الإعدام ذبحاً بقطع رأس تمثاله!

واستطرد، بمعنى أسهب وزاد. كقولنا:

لقد استطردت المعارضة والموالاة على لسان كثيرين منهم، بتمثيل إرادة الشعب: (الشعب يريد كذا.. الشعب لا يريد كذا …. الشعب يريد..) إلى حد كاد معه الشعب نفسه، أن يضيع بين ما يريد وما لا يريد.

من الاستطراد ما يتعلق بطبيعة الموضوع. كأن يكون الموضوع المثار ، على جانب من الأهمية لدى المتكلم، فيكون الاستطراد هنا ، نوعاً من الإشباع والتوكيد.

ومن الاستطراد ما يتعلق بطبع المرء . فمن أبناء آدم، مَنْ يتوسع في الكلام ويتوزع متنقلاً من موضوعٍ إلى آخر، من دون رابط ولا داعٍ، اللهم سوى رابط الثرثرة وداعي تزجية الوقت. بغض النظر عن استماع الحضور إليه أو ازورارهم عنه.. أو حتى غفوتهم بين يديه.

وكثيراً ما نصادف أصحاب ذلك النوع من الطباع وذلك الضرب من الاستطراد، في معتنقي مهنتَيْ الحلاقة والسياقة ومافي حكمهما. وكي لا تستجرنا شهوة الكلام وتزلّ بنا قدم الكتابة، إلى مثل ذلك الدرك وذلك النوع من الاستطراد. نتقي الله في قرّائنا ونكتفي بما تقدّمْ و.. ستوب نقطة على السطر.

العدد 1105 - 01/5/2024