شبيهان نحن

تشاء السماء أن نلتقي، أين ومتى؟ لا وقت لهذه التفاصيل فذلك غير مهم. مقدمة قد تصلح لنصّ أدبي سردي، لكنها بالتأكيد لا تصلح لأن يبنى عليها في واقع لا يعترف، في أغلب الأحيان، حتى بمشيئة السماء. كيف سنلتقي إذاً ما دمتَ تغرّب وأنا أشرّق؟ كيف سنتفق ما دمت تنحاز بالمطلق لما أراه شراً؟ والعكس سيكون صحيحاً بالنسبة إليك.

يقول المصلحون إننا شبيهان بالإنسانية، هذا أدنى مستويات التفاهم بيننا، لكنني أقول إن ذلك أيضاً غير ضروري، وغير مهم، ولا يتعدّى كونه تفصيلاً صغيراً في حقول فكرية مليئة بالتناقضات. وكوننا نتعاطف مع الزهر والنحل، مع الحقول والغزلان، مع العصافير والقمح، لا ينفي حقيقة مطلقة بأن واحداً من هذه الثنائيات آكل، والآخر مأكول. وحين نعتبر ذلك أمراً طبيعياً فهذا اعتراف بعجزنا عن تغيير قواعد وبديهيات الوجود، ونحتفظ باعتراضاتنا إلى موعد قد لا يأتي.

هو سباق ومطاحنة من أجل البقاء، وليبدأ الآخر المأكول بترميم ذاته، ظناً منه أنه سينتصر في نزال آخر، لكنه لا يعي أنه يوفّر للآكل وجبة أخرى بعد حين. ولأن هذا لا يليق بنا نحن البشر ككائنات عاقلة، وجدت لتعمّر الأرض لا لتخربها، لأننا بشر ليس ضرورياً أن تقتلني لتبقى، ولا أن تكفّرني لتدخل جنة وعدك بها أجدادك الأقدمون. فليس هكذا تعمّر الأرض، وليس هكذا نثبت أننا أرقى الكائنات. بل ربما تثبت العكس يا شبيهي في الإنسانية.

أن أكون مسالماً لا يعني أن أدير خدّي كلما رغبتَ أنت بصفعي، ولا يعني كونك قوياً أنني ضعيف. فقد أبزّك وأتفوق عليك، غير أنني مسالم وأنك عدواني. معادلة لا تقتضي أن أمشي لصق الحائط وآمل الستر، ولا تقتضي أيضاً أن تجاهر بمقدرتك وتمارس عدائيتك، أن تتحدّى وتعتدي. ولا يعني أيضاً أن نعيش كتلك الثنائيات، آكلاً ومأكولاً.

الأرض تتسع لي ولك. فبين مدينتين متباعدتين مساحة تتسع لمدن أخرى، بمقدورنا إنشاءها وإعمارها، وكثيرة هي البراري التي تنتظرنا لتصير حقولاً، والغابات لتصير حدائق. ولا أعتقد أن ديناً سماوياً لا يتسع لمزيد من البشر، رغبوا أن يصيروا مؤمنين، وليس من العقل والحكمة في شيء أن نمنع رغبتهم وانضمامهم إلينا.

دمي من دمك، وأنسجتي امتداد لأنسجتك. فلنجعل الامتداد أفقياً ما استطعنا، من دون تباهٍ أو تعالٍ، ومن دون تقطيع لتلك الأنسجة، أو سفك لذاك الدم. فحفاظنا على ما منحتنا إياه الطبيعة إيمان حقيقي، كفيل بأن يقربنا من جنة موعودة، أو على الأقل لن يبعدنا عنها كثيراً.

معادلة أخرى قد لا تعجبك يا شبيهي، وقد لا ترضي غرورك وعدائيتك. فلا بأس أن نختلف على ما نحن قادران على تغييره من دون أن تكون نتائج الخلاف مساساً بما لا نستطيع تغييره. بحيث  نحترم نحن الاثنين دماء وأرواحاً خارج طاقاتنا، وبعيداً عن مقدراتنا بالتغيير، فإن أقنعتني أغير فكري، لا أن أغيرّ دمي، ولا أن تسفحه. فهذا ليس من حقك.

سنعيش فوق هذه البسيطة شئنا ذلك أم أبينا، رضينا بذلك أم لم نرضَ. هذا اعتراف أبدي ورثناه ممن سبقنا حكمة وفكراً وإنسانية. وما الديانات السماوية سوى طرق لتنظيم هذا العيش، ووسائل للتقريب لا للتباعد. فكن لي قريباً يا شبيهي، ربما نستطيع أن نتعاون، وربما نستطيع أن نتآخى!

العدد 1105 - 01/5/2024