لماذا نطالب بفصل الدين عن الدولة؟

فصل الدين عن الدولة هو مصطلح سياسي ظهر عند الغرب لفصل سلطة الكنيسة عن الدولة، وإعطاء الدولة استقلالية عن الدين، وربط الدول الأوربية ضمن إطار قومي بدلاً من الديني.

وهذا المصطلح بات متداولاً بشدة في الآونة الأخيرة، فهو انعكاس لرغبة عميقة للتيارات الدينية في الوصول إلى الحكم. فقد أدى تداخل السلطة السياسية مع السلطة الدينية إلى كوارث ما زلنا نتجرع مآسيها حتى الآن. إذ كان لتوظيف الدين في السياسة الأثر الكبير في نشأة واندثار الكثير من الدول عبر التاريخ الإسلامي، كما كان لتوظيف السياسة في الدين الأثر الكبير في نشأة المذاهب الإسلامية وزيادة الاستقطاب فيما بينها.

ولإعطاء الدولة طابعاً مذهبياً دينياً تأثير سلبي على جميع المواطنين. وما دام المواطنون في الدولة الواحدة لا ينتمون في الغالب إلى دين واحد، بل تتقاسمهم أديان متعددة، وقد يكون بعضهم ملحداً لا يؤمن بدين؛ فإن التزام الدولة بدين واحد من هذه الأديان سيضر بمصالح وحقوق المواطنين المنتمين إلى الأديان الأخرى أو المنكرين لها كلها، لأنه:

– يفرض عليهم ديناً لا يؤمنون به.

– ينتقص من حقهم بممارسة معتقدهم الديني أو الفلسفي الذي اختاروه بشكل مباشر أو غير مباشر.

– أيضاً يحرمون من شغل وظائف مهمة في الدولة أو الوصول إلى مراكز اتخاذ القرار.

– والأسوأ هو انقسام المجتمع نتيجة تفوّق طائفة ما على أخرى، وهذا أخطر ما قد يواجه وحدة الدولة.

هنا يجب الذكر أن تبنِّي فكرة فصل الدين عن الدولة ليس ضمن منحى سلبي أو من موقف معادٍ للدين، فليس العداء للدين مهمة الدولة أو غيرها من المؤسسات. وبرأيي أن هناك شقين لقاعدة فصل الدين عن الدولة:

الشق الأول: يتعلق بتحرير الدولة من الاستخدام السلبي لوظائفها ولمؤسساتها من أولئك الذين يدَّعون النطق باسم الدين وبأحكامه، وذلك من أجل تطوُّر هذه الدولة وتحقيق الأغراض والأهداف والوظائف المنوطة بها في ظروف العصر وحاجاتنا فيه.

الشق الثاني: يتعلق بتحرير الدين من الذين يدَّعون احتكار النطق باسمه، وهم يفرغونه من قيمه الأساسية ليتمكنوا من استخدامه عبر سيطرتهم على الدولة باسمه في تحقيق أغراضهم الدنيوية، التي تتناقض مع قيم الدين والتي تعمم أنماط الاستغلال والقهر الاجتماعي كواقع ثابت وأبدي لا مجال لتغييره.

اليوم مع تعاظم دور القوى الدينية في المنطقة العربية، و بعد حصول الحراك داخل هذه الدول، يجدر بنا الإشارة إلى أن الحراك لن يخرج لتعزيز دين هو عزيز أساساً، أو لإعادة أمجاد دولة أسلامية كما يظن من هم يتسلقون من التيارات الدينية على تلك الانتفاضات، بل هذه الانتفاضات كانت نتيجة ظلم قائم من سنين عديدة، ورغبة في الانتقال إلى دولة ديمقراطية تعزز مفهوم الإنسان وكرامته، وتطبق بشكل فعلي مبادئ حقوق الإنسان، التي كانت موجودة في أغلب دساتير الدول العربية، مع تضييق عليها قوانين تحد من تلك الحقوق. وفعلياً ظهرت التيارات الدينية نتيجة فشل تجارب الدول التي ادَّعت العلمانية للحصول على رضا الدول المتقدمة. لكن السؤال هنا: هل يحق لطرف أن يطبق ربط الدولة بالدين، وإلغاء حق المنتفضين الأوائل بسبب ضعفهم؟

يظهر لنا جلياً قوة التيارات الدينية، لا بسبب قوة حقيقية ذات برامج تنموية، بل بسبب قلة خبرة الأطراف الأخرى، وخاصة الشباب الذين أثاروا رغبة التغيير. فالتفوق الحالي لتيار ما داخل الدولة ليس مستمراً ودائماً، لذلك لا يحق لأي تيار بعد وصوله إلى الحكم تغيير طابع الدولة، سواء أكانت تيارات ليبرالية أم شيوعية أم إسلامية.. إلخ.

إن تطبيق مبدأ فصل الدين عن الدولة، أصبح اليوم حاجة تؤسس لجو سياسي اجتماعي اقتصادي ديمقراطي، مقبول لدى جميع الأطراف بما فيه الدولية. فيظهر أن الأطراف العالمية المسيطرة، لن تقبل بوجود دولة تتبنى نهجاً دينياً بحتاً. وهنا يجب القول: إن حاجتنا إلى الدولة العلمانية، ليس بسبب ضغط خارجي، بل من حاجة داخلية هي أساس للقيام بعملية التنمية البشرية، ورفع مستوى التعليم والدخل، لتوسيع رغبات الناس، وحفظ حريتهم في انتقاء ما هو ضروري أولاً، وكمالي ثانياً بحياتهم العامة.

العدد 1104 - 24/4/2024