سورياليون… ولكن؟! باعة الهموم!

هل أصبح العالم (سوريالياً) بما يكفي، لأن تصدق هذياناته وحيله؟!

وإذا صدقت ذلك، فثمة وصية أبوح بها: إياك أن تُكذِّب حواسك، لئلا تصبح مجنوناً وسط العقلاء، وسيأتيك أحدهم بقول خطير: السوريالية هي عقل كامن، وعليه فإن سلفادور دالي هو أعقل المجانين!

هأنذا آخذ نبوءة جدي على محمل الجد، وقبل أن يبتكر واحد من أمثالي مصطلحاً لما بعد (المتشائل) سأعود إلى سياق الخبر، ذريعة مقدمتي تلك. يقول الخبر: إن مؤسسة ما في مكان ما قررت بيع مشكلات افتراضية للمترفين من البشر، حتى يتمكنوا في المستقبل من حل مشكلاتهم.

واللافت هنا ورغم تدني نسبة المشترين، أن ثمة من ابتاع تلك المشكلات، ليعيش مجازاً في ما استحدث منها مجرّباً حظه بإيجاد حلول لها!

بدا الأمر وكأن لا مشاكل للمترفين جدية بما يكفي، والمفارقة الصريحة أنهم هم من يبتكر المشاكل والإشكالات للعالم، فمن يشتري هموم المهمشين، وكم سيدفع لآلامهم؟! ولأحيل أولئك المترفين، لعمل درامي سوري أنتج عام ،2003 كان بعنوان (شاري الهم)، وصاحب فكرته وبطله الفنان السوري الكبير الراحل طلحت حمدي، أي أن العمل الدرامي قد سبق فكرة المؤسسة بنحو عشر سنين!

 

كي لا تعمى القلوب!

يحدث أحياناً أن يضيق صحفي بمتاعب المهنة، لطالما سميت الصحافة بمهنة المتاعب  فيجعل من زاويته الأسبوعية مسرحياً لضحكات متواترة، إذ يحيلها للقطات تفيض بالطرافة وروح النكتة الذكية الموحية اللماحة، إذن نحن أمام أمرين لا ثالث لهما:

إما أن مضمر  تلك اللقطات  سيقول ما لم تستطع المباشرة قوله، أي أنه يستبطن الجد، لا الهزل. أو أنه، مترع بالألم إلى حد الضحك، الضحك الذي غدا اليوم بديلاً (للنقّ)، وهو من مثل: تلميذ شكا لوالده، أن أستاذه لا يعرف شيئاً، والسبب هو كثرة أسئلة المدرس للتلاميذ طوال الدرس.

وأخرى.. أن رجلاً رزقت زوجته بتوءمين، فأصرّ أن يعرف من هو والد أحدهما! ولعلّ تطريف السرد في مدونات روائية بعينها  كموسم الهجرة للشمال  خالدة الطيب صالح ما يجعل من الواقع مقبولاً، والحياة تمشي من أمامك أو من ورائك، لا فرق، لكنها تمشي لتصير صالحة لأن تستعاد بكل لعبها على التخوم. فهل كان غسان كنفاني جاداً، عندما أورد على لسان أحد أبطاله، في واحدة من قصصه الرائعة، سؤالاً فلسفياً بطابعه: لماذا لا يسير الإنسان على رأسه؟! وأُكملُ كقارئ محتمل، علّ فجوة ما في النص، عادة يتقصد المؤلفون تركها لنا: لطالما كان العالم مقلوباً، ولتصبح رؤيته أفضل!

 

قدم ذهبية!

يقول معلق رياضي عن لاعب أحرز هدفاً: سجل بقدمه الذهبية، وكنت أتساءل هل يصح أن نقول قدماً ذهبية؟!

ربما فاتني مجاز تلك الكلمة، فقد أصبحت واقعاً ملموساً، بعد أن رأيتها بأم عيني، كانت القدم التي تقلّد قدم اللاعب (ميسي) لاعب برشلونة الإسباني الأشهر، ومن الذهب الخالص، وقد صممت ببراعة فائقة، إذ لا يستطيع أحد تمييزها عن قدم ميسي، إذن قدم من ذهب، تسبق كلاماً من الذهب، يا لحيرة ذهب هذه الأيام، بين قدم تكتب كلمة النصر، وكلمة لا أقدام لها!

 

تبادل أدوار!

في مشهديات كرة القدم، ثمة من يلعب، وثمة من يتفرج جالساً في صفوف ومدرجات باذخة، في مشهديات الواقع يلعب الجميع، فمن يتفرج إذن؟!

 

في فضيلة أن تضحك..

سئل الأديب المصري الراحل محمود تيمور حول مجموعة قصصية له بعنوان (شفاه غليظة): لم جعلها بهذا الاسم، فقال: (حتى تستوفي الضحك من الأقدار):

أن تضحك الآن يعني أنك واقعي بامتياز، فالواقع هو مصدر الضحك. فإذا ضحكت بصوت خفيض، فذلك يعني أن ألمك عميق. وإذا ضحكت بصوت عالٍ فذلك يعني أنك الألم بذاته. فأن تضحك يعني أن لديك ما تقوله، وإذا وقعت مغشياً عليك من الضحك فأنت في عصر ما بعد الألم!

أرأيت إلى الوردة كيف تضحك ووجنتاها يكاد يقطر منهما الدم.

والنهر المسجّى بين يدي الغابة، يضحك، وكذلك الأشجار وهي تصدّ سياط الريح، فلا تمنعوا الضحك، أقيموا له عيداً جليلاً، ولا أعلم حتى اللحظة ما إذا سبقنا أحد في العالم الآخر إليه، وإذا صحّت مخاوفي، فسأضحك.. كيف فاتتني هذه الفكرة!

العدد 1107 - 22/5/2024