مَن رفع الأسعار… ضعف الرقابة التموينية أم ضمير التجار؟!

ربما وجدت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تبريراً لما يحدث في الأسواق من ارتفاع للأسعار، فقد ألقت اللوم على (ضمير التجار) وفق ما صرح به وزير التجارة وحماية المستهلك سمير قاضي أمين في أحد تصريحاته لموقع إعلامي محلي! وبالطبع يعتبر التبرير منطقياً، ولكن أيضاً في الوقت نفسه لا يمكن إلقاء اللوم على ضمائر التجار في رفع الأسعار، إذ إن هناك عوامل عديدة مكّنت التجار من رفع الأسعار، ومنها إجراءات حكومية سنأتي على ذكرها.

قال الوزير أمين في تصريحه أيضاً إن فوضى الأسواق ليس خطأ دوريات الرقابة التموينية، لافتاً إلى أن التجار يقومون بمضاعفة الأسعار واحتكار بعض المواد الغذائية بذريعة الظروف الراهنة.. إذاً هناك اعتراف صريح من جهة حكومية مسؤولة عن رقابة الأسواق والأسعار، بأن هناك استغلالاً واحتكاراً من قبل بعض التجار! وبالطبع هذا الاعتراف لا يعدّ نقطة إيجابية لصالح الوزارة، بل هو نقطة سلبية بحقها، باعتبار أنها على علم بهذه المخالفات ونعرف أسباب ارتفاع الأسعار، وكما يقول المثل المعروف: (إذا كنت لا تدري فتلك مصيبة، وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم)! فالوزارة على دراية ولكن تحتاج إلى مكافحة الأسباب، فإذا عرف السبب بطل العجب.. فهل ستتحرك الوزارة لمكافحة أسباب ارتفاع أسعار السلع في الأسواق المحلية ومكافحة الاحتكار، خاصة مع دخول رمضان؟

وهنا لا بد من طرح سؤال هام أيضاً: من الذي يرفع الأسعار؟ هل حقاً ضمير التجار كما وصف الوزير أمين، أم ضعف الرقابة هي من ساعدت على ذلك؟

اتحاد حرفيي دمشق: فوضى الأسعار ليس خطأ دوريات التموين

هذا السؤال توجهنا به إلى مروان دباس، رئيس اتحاد حرفيي دمشق، الذي أوضح في تصريحه لـ(النور)، أن فوضى الأسعار في الأسواق لا يعتبر خطأ دوريات حماية المستهلك، لافتاً إلى أن تموين دمشق نظم أكثر من 4500 ضبط تمويني في شهر واحد، متسائلاً: (ماذا يمكن أن تفعل الجهات الرقابة أكثر من ذلك حيال التجار المخالفين في الأسواق؟).

وأشار إلى أهمية زيادة العقوبات على التجار المخالفين، مشيراً إلى أن أن بائع المفرّق لم يعد يخاف من المخالفة وغرامتها، (فهو يربح 30 ألف ليرة يومياً ولن يضره إن دفع 3 آلاف ليرة مخالفة تموينية).

وأكد دباس أن من يرفع الأسعار ضمن الأسواق المحلية هم تجار المفرق والبائعون، مشيراً إلى أنهم يتحكمون بأسعار السلع في الأسواق، والدليل على ذلك- وفق دباس- فروق الاسعار للسلعة نفسها بين بائع مفرّق وبائع آخر، مبيناً أن بائع الجملة يبيع الجميع بأسعار واحدة ومعروفة لدى الجميع، في حين أن تجار المفرق لا يقومون بذلك، بل يضعون الأسعار وفق مزاجهم وهواهم، فهم من يقومون برفع الأسعار، مستغرباً: (تاجر المفرق كان يحقق أرباحاً قبل الأزمة تصل إلى ألف ليرة يومياً، ويرضى بهذا الربح، في حين حالياً لا يشبع أبداً ويحاول أن يستغل المستهلك ليربح 30 ألف ليرة يومياً).

وقال رئيس اتحاد حرفيي دمشق: (يوجد خطأ في تنظيم الضبوط التموينية وطريقة سيرها إلى المحاكم المختصة)، لافتاً إلى أن الضبط التمويني يذهب إلى القضاء، ويصبح هناك مماطلة وأخذ ورد، في حين يجب أن يتم ضبط المستغل وتحويله مباشرة إلى السجن في حال كانت مخالفته جسيمة كثيراً.

عوامل ارتفاع الأسعار..

بالطبع هناك العديد من العوامل أدت إلى أرتفاع الأسعار ضمن الأسواق المحلية، منها ما يتعلق بالأزمة الحالية التي تمر على سورية، ومنها ما يتعلق بالتجار، وبعضها يتعلق بإجراءات حكومية ساعدت على ارتفاع الأسعار. فالأزمة الحالية أدت إلى توقف الإنتاج المحلي، وأدى ذلك إلى الاعتماد على الاستيراد لتأمين متطلبات السوق المحلي، مما ضاعف الطلب على القطع الأجنبي، مع ارتفاع في سعر الصرف أدى إلى مضاعفة الأسعار، لأن معظم المواد مستوردة، سواء الأولية الداخلة في الصناعة أو المواد الغذائية المستوردة، وأما المعامل المحلية التي بقيت في الإنتاج تواجه أيضاً صعوبات عدة أدت إلى مضاعفة كلف الإنتاج (رفع سعر الفيول والكهرباء وتكاليف الإنتاج والمواد الأولية وصعوبات النقل وغيرها من العوامل)، فجميعها مجتمعة أدت إلى ارتفاع التكاليف وارتفاع السلع المنتجة، وبالتالي ارتفاعها على المستهلك النهائي.

وأدى رفع أسعار المحروقات (بنزين ومازوت) إلى ارتفاع أسعار عمليات النقل والإنتاج أيضاً، كما أن بعض التقارير الصحفية أكدت أن المستوردين يضاعفون الأسعار كثيراً بعد تخليصها من الجمارك، وخاصة المعلبات والأرز، كما أن عدم تداول الفواتير بين حلقات الوساطة التجارية أدى إلى وضع الأسعار وتحديد هوامش الربح وفق المزاجية والأهواء وليس وفق النسب المحددة، وعملت الحكومة على تحديد هوامش ربح العديد من السلع والمواد سواء الغذائية وغيرها، كما أنها تعتزم حالياً خفض الرسوم الجمركية وضغطها ضمن خمس شرائح، وهذا من شأنه أن يخفض الأسعار نوعاً ما في الأسواق المحلية.

وبالطبع ضعف الرقابة الذي شاهدناه خلال السنوات الثلاث من الأزمة كان لاعباً أساسياً في ارتفاع الأسعار، وخاصة مع تحرير أسعار معظم السلع في الأسواق سابقاً، وبدأنا نلمس أثر الرقابة على الأسواق منذ بداية العام الحالي، وذلك وفق خطط محددة وضعتها الوزارة لمراقبة الأسواق، عدا قلة الكادر الرقابي على الأسواق، فتموين دمشق على سبيل المثال يحتاج إلى 500 مراقب، وهو لا يتوفر لديه إلا 45 مراقباً فقط، وهذا من شأنه أن يجعل من العملية الرقابية ضعيفة ومحدودة، وخاصة أن دمشق تتمتع بأسواق واسعة ومتنوعة وتحتاج إلى عدد كبير من المراقبين، فضلاً عن غياب قوانين صارمة تضع حداً للمستغلين والمحتكرين، ووفقاً لوزير التجارة الداخلية فإن قانون حماية المستهلك الجديد سيرى النور قريباً.

ولا ننسى عامل النقل الذي ضاعف الأسعار أيضاً نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، ولا ننسى أن بعض الهيئات الحكومة لم يكن لها دور فاعل خلال الأزمة، فلم نسمع شيئاً عن دور هيئة المنافسة ومنع الاحتكار خلال الأزمة، ومكافحتها لاحتكار السلع والمواد، أو حتى تشجيع المنافسة في الأسواق التي من شأنها أن تعمل على خفض الأسعار.

كما أن بعض القرارات الحكومية ساهمت بشكل أو بآخر برفع الأسعار، مثل قرارات ترشيد استيراد السلع الذي يعتبر ضرورياً حالياً، ولكنه شجع على تهريب السلع الممنوعة من الاستيراد، مما رفع الطلب على القطع الأجنبي، كما أن لقرار تقليص مدة إجازة الاستيراد إلى ثلاثة أشهر أثراً على الأسواق، إضافة إلى إجراءات الحصول على إجازة الاستيراد وما يواجهها من صعوبات وفق تصريحات العديد من الفعاليات التجارية.

ولا ننسى عوامل رفع الضرائب والرسوم على معظم الفعاليات التجارية والصناعية التي انعكست على الأسعار، فالصناعي لن يقلص هامش ربحه، بل سيحمّله على السعر النهائي للسلعة المنتجة أو المستوردة.

كما أن من عوامل ارتفاع الأسعار ضعف التدخل في الأسواق خلال الأعوام السابقة، سواء من مؤسسات التدخل الإيجابي أو من خلال انسياب السلع في الاسواق، وحالياً تعمل الحكومة على تجاوز هذه العثرات لعودة الهدوء إلى السوق المحلية، إلا أن الخطوات جاءت متأخرة، ولكن كما يقال في المثل المعروف، أن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي أبداً.

نهاية القول نرى أن الحكومة هي المسؤولة عن ضبط إيقاع السوق ووضع حد لشطط الأسعار، سواء أكان التاجر هو من يقوم برفع الأسعار أو العوامل المذكورة أعلاه، لأن الحكومة هي المسؤولة عن تلبية احتياجات المستهلك بشكل يتوافق مع دخله. وبالطبع نتوجه إلى غرف التجارة والصناعة بأن يقوموا بتوعية التجار وحثهم على تقليص هامش أرباحهم، وخاصة في رمضان، ذلك أن الطلب يرتفع أكثر على المواد الغذائية، وأن يتحملوا مسؤوليتهم الاجتماعية تجاه المواطن والوطن، كما نحث المستهلك على أهمية التعاون مع الجهات الرقابية وعدم التنازل عن حقه أبداً، وأن يبادر إلى الشكاوى للجهات الرقابية في حال تعرضه للغبن.

العدد 1104 - 24/4/2024