هل ينتظر يوسف زيدان الحكم بالإعدام؟!

يكاد الواقع ذاته يرقى إلى النكتة ولأرفع سخريات القدر، وتكاد المفارقة ذاتها ترقى إلى واقع بعينه، حتى المفارقة اختلط عليها الأمر، وخشيت أن يغشى عليها، خلقت بشفاه غليظة حتى تستوفي الضحك من الأقدار.

فصاحب (عزازيل والنبطي وظل الأفعى والمحال)، لم تكن استفقادة (مجمع البحوث الإسلامية) في مصر له رحمة، لا سيما أن كتابه (اللاهوت العربي وأصول العنف الديني) قد وضع في الميزان، فبعد صدوره بأربع سنوات بالتمام والكمال، يرجم بذائقة أيديولوجية، خلاصتها الأولية (ازدراء الأديان). وتلك تهمة تكفي لأن يلوّح له بحبل المشنقة، دون أن يجد يوسف زيدان وقتاً كافياً، لا للدفاع عن نفسه فحسب، بل لرد التهمة الموجهة إليه بالأشكال القانونية والأخلاقية المتعارف عليها.

ومن البديهي أن التاريخ الثقافي  إن جاز التعبير  قد شهد مفارقات عديدة، وطبقاً لشكسبير: (قد يعيد التاريخ ذاته على شكل ملهاة أو مأساة). ولعل المثقف العربي المستنير قد يجد ذاته في وضع يحسد عليه، لا سيما مع قراءة أحادية مشبعة (بالمضمرات النسقية) تستبطن إنجازاته في حقول معرفية شتى، وتعللها بما يستجيب لنزعات بعينها، لطالما أن رواية (عزازيل) لم يهدأ الغبار الذي أثير حولها، وهي الرواية الإشكالية بامتياز ليوسف زيدان. لماذا لا يترك للقارئ العربي المحايد ذي الفطنة والدراية والحدس أن يقول رأيه في كتاب؟ ومن ثم نتساءل ببراءة تامة: لماذا لا نذهب مجدداً لاستبيان القراءة؟! ونحسب أن للمؤلف ما يريد قوله ومقاربته دون أن ينغلق في دائرة تاريخية محددة مسبقاً، ما يعني تالياً أنه  من المفترض  أن يحاجج، ويصوغ رؤى وتصورات قابلة للجدل والحوار فاستدعاء ثقافة الحوار تجلٍّ حضاري، لا يبخس المحاورين حقهم، في الإضاءة على مفاصل إشكالية في التاريخ. وزيدان بعمله كأكاديمي ومدير لمركز المخطوطات والمتحف التابع لمكتبة الإسكندرية في زمن مضى، قد توافرت له من المعطيات ما يمكن التأسيس عليها، لينتج منها ما يمكّن الباحث فيه قبل الروائي، من أن يجتهد في بحثٍ أرضُه ساخنة وسماؤه حبلى بالبروق. ليست محنة مثقف من تتجلى في راهننا الثقافي كأخواتها، ومن امتد إليها بنسب. لكنها صورة مشهد ثقافي عربي معاصر، تزدحم مفارقاته على مسرح الواقع، لكأنه في ذروة تصعيد درامي، تبدو الدراما في مقابله هي الواقع.

وفي حالة زيدان قد ينال كتابه شهرة إضافية، وقد ينسى الكتاب ويبقى يوسف زيدان أسير (معارك) إعلامية، فالرجل يخشى أن يصبح الأمر جدياً: (قد أكون في طريقي إلى حبل المشنقة)!

ومع الخشية هذه لا يحتاج الفكر العربي إلا إلى عنوان وحيد حتى يبرر تقاعده عن جديته، هو أن يلبس زيدان قبعة غاليليو، وأن يتم ليلته ساهراً مع السهروردي، فإذا طلع الصباح سكت كلاهما عن الكلام المباح.

حدث ما يشبه ذلك مع الروائي السوري حيدر حيدر صاحب (وليمة لأعشاب البحر)، مع أنها صدرت قبل وقت طويل على إعادة طباعتها من قبل قصور الثقافة في مصر، وقد يسأل أحدنا: لماذا تثار هذه القضايا في هذا الوقت بالذات؟ ولعل السؤال سيذهب إلى ماهية من يثيرها، بعيداً عن تأويله الخاص على المستوى الفردي أو الجمعي. فمن يملك الحقيقة، وحده، أليست الحقيقة ثمرة وعينا الجمعي؟!

وحال مسرح الواقع، أنه يفيض بغرائبية، لو استدارت لها الدراما استدارة كاملة لأنكرت ذاتها مما يجري، وأبطاله طليقون، خائفون، لا من الخروج على النص، بل بخروج النص كله ليستوي تحت مقصلة الاعتقاد والظنون. ربما ليس بوسع يوسف زيدان أن يزيد حرفاً واحداً على ما كتبه، أو ينقص حرفاً، بوسعه أن يُرافع عن كتابه ليقلّص هاجسه (بحبل المشنقة).  وفي وقت آخر تصبح (حدوتة) الخوف مدونة جديدة سيستأنس بها ليشيد رواية جديدة يعيشها ليكتبها، وهو يعيشها فعلاً وبعنوان مقترح: (أحاجي الزمن اللاثقافي)، أو إذا شاء عنواناً إضافياً (تقليعات نهاية الموسم الثقافي)…

العدد 1107 - 22/5/2024