الولايات المتحدة دعمت الديكتاتوريين الذين قتلوا شعوبهم

مرت في الحادي عشر من أيلول الذكرى الأربعون لانقلاب عام 1973 الفاشي في تشيلي الذي أسقط حكومة سلفادور أللندي الديمقراطية الاجتماعية، التي كانت تحاول تضييق الهوة الكبيرة بين الأغنياء والفقراء في ذلك البلد، وذلك بتشكيلة من الإصلاحات الاشتراكية. قُتل ألليندي في الانقلاب إلى جانب آلاف من التشيليين الآخرين.

كان الجنرال بينوشيه الذي قاد الانقلاب مسؤولاً عن قتل شعبه.

هل ذهبت واشنطن إلى الأمم المتحدة للتنديد بالانقلاب؟ هل فرضت عقوبات على نظام بينوشيه العسكري الوحشي؟ هل فعلت شيئاً بهذا الخصوص باستثناء بيانات منافقة، بلا أسنان، حول حقوق الإنسان؟ على العكس. كان بينوشيه رجل واشنطن. وكان شديد العداء للشيوعية. ومن غير المهم أن ألليندي لم يكن شيوعياً. لقد أرادت الشركات الأمريكية مع ذلك التخلص منه. وكان بينوشيه ردَّها على الموجة التقدمية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية بعد الثورة الكوبية.

وبات معروفاً الدور الذي قام به وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر في تنصيب بينوشيه وحمايته. ويقدم كتاب (نيكسون وكيسنجر وألليندي: تورط الولايات المتحدة في انقلاب 1973 في تشيلي) الكثير من التفاصيل.

وبعد أن حكم بينوشيه بالقتل والتعذيب والاعتقالات الجماعية، صار الطريق مفتوحاً للشركات والمصارف الأمريكية كي تستعيد (أملاكها) التي أممت في عهد ألليندي. كانت شركتا النحاس أناكونداو كونيكوت قد اعتصرتا أرباحاً خيالية في تشيلي، وعندما أصبح الجنرالات في السلطة رحبوا بعودة الشركتين إلى ممارسة أعمالهما المعتادة.

حمام الدم في إندونيسيا (1965 – 1966)

لم يكن انقلاب تشيلي في عام 1973 المرة الأولى التي ساعدت فيها حكومة الولايات المتحدة في تنصيب ديكتاتوريين استولوا على السلطة بقتل شعبهم. اللائحة طويلة جداً.

واحد من أفظعها كان انقلاب عام 1965 في إندونيسيا، الذي أدى إلى حمام دم ذي أبعاد ملحمية. انظر كتيب (إندونيسيا 1965: ثاني أكبر جريمة في القرن العشرين) إصدار ووركرز وورلد 1998).

أدى انقلاب عام 1965 إلى مذبحة أشخاص عزل. وتقدر بعض المصادر عدد الذين قتلوا على يد الجيش والعصابات شبه العسكرية بمليون شخص. سكان جزيرة بالي الجميلة  هدف سياحي غالي الثمن اليوم  قُتل عشرهم عندما ذهب الجنود من قرية إلى قرية وقتلوا من ميزوهم يساريين وقوميين تقدميين، وناشطين في النقابات والجماعات الطلابية والاتحادات النسائية والفلاحية. وهلك القسم الأعظم من الحزب الشيوعي الإندونيسي الذي كان الأكبر في العالم خارج المعسكر الاشتراكي.

ومرة أخرى، لم تكن هناك تنديدات من واشنطن. لا عقوبات. لا تفكير بتدخل الولايات المتحدة ضد الجنرالات. على العكس، أظهرت الافتتاحيات والمقالات في الصحف البورجوازية الكبرى الأمريكية ترحيب الطبقة الحاكمة الأمريكية بالمجزرة. كتب جيمس رستون، نائب رئيس تحرير (نيويورك تايمز) في ذلك الوقت، عموداً في 10 حزيران 1966 عن المجازر بعنوان (ومضة من الضوء في آسيا). قال إن (التحول الوحشي) في إندونيسيا كان في (مقدمة التطورات المشجعة) في آسيا.

كتب رستون: (كان هناك مقدار كبير من الاتصالات بين القوى المعادية للشيوعية في ذلك البلد وبين موظف واحد على الأقل كبير جداً في واشنطن قبل المجزرة الإندونيسية وأثناءها. ومن المشكوك فيه أن تجري محاولة الانقلاب عموماً دون عرض القوة الأمريكية في فيتنام أو أن يستمر دون المساعدة السرية التي تلقاها من هنا بصورة غير مباشرة).

وكما في تشيلي، فتح الانقلاب الأبواب للشركات الغربية  الأمريكية في معظمها  كي تحصد أرباحاً ضخمة من الموارد الطبيعية الوافرة في إندونيسيا، وكذلك الأجور المنخفضة التي زاد من انخفاضها تحطيم النقابات.

دعم الحزبين للانقلابات

يظهر هذا المثالان  ويوجد الكثير غيرهما، من الانقلاب الذي نصب شاه إيران، إلى مجزرة السلفادوريين والغواتيماليين على يد الديكتاتوريين العسكريين المسلحين أمريكياً  مقدار دعم الحزبين الكبيرين الرأسماليين التوجه للسياسة الخارجية الإمبريالية الأمريكية.

حدث الانقلاب الإندونيسي في عهد إدارة ليندون جونسون الديمقراطية. وكان نائبه (الليبرالي) هوبرت همفري هو الذي  قاد العلاقات مع نظام الجنرال سوهارتو الملطح بالدماء. وكان همفري هو ذلك (المسؤول الرفيع جداً في واشنطن) الذي أشار إليه رستون في عموده.

وحدث انقلاب تشيلي في عهد إدارة ريتشارد نيكسون الجمهورية. وكان وزير خارجيته كيسنجر الرجل المكلف بالعلاقات مع بينوشيه.

ولدينا الآن إدارة ديمقراطية برئاسة باراك أوباما الذي عاش فعلاً في إندونيسيا من عام 1967 إلى 1971 بعد زواج والدته من الجغرافي الإندونيسي لولو سويتورو الذي عمل لصالح الجيش الإندونيسي، وبعد ذلك لصالح شركة النفط يونوكول. ويتحدث أوباما في كتابه (أحلام من والدي) عن سنوات طفولته في إندونيسيا، ويذكر دور وكالة الاستخبارات المركزية في دعم الجنرالات. ولكنه ألف ذلك الكتاب قبل انتخابه لأي منصب رسمي.

الرؤساء يأتون ويذهبون، ولكن الصهاريج الفكرية، التي مولتها الأسر الشركاتية الغنية في الولايات المتحدة هي التي ترسم السياسات الداخلية والخارجية، وكذلك السياسيين الذين سيصوغونها.

العدد 1107 - 22/5/2024