اللقاء التشاوري في السويداء

متابعة للقاءات التي جرت في محافظة السويداء عقدت اللجنة الفرعية للحوار لقاء تشاورياً مع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية بتاريخ 12/2/،2013 قدم فيه وفد الحزب الشيوعي السوري (الموحد) المداخلات التالية:

قدم الرفيق علم الدين أبو عاصي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري (الموحد)، مداخلة بين فيها موقف الحزب الإيجابي من مبادرة السيد الرئيس، لكنها قد تحتاج إلى بعض التعديلات أو الإضافات. وعلى سبيل المثال تبدأ الخطة بوقف العنف.. والسؤال: إذا لم تستجب بعض الأطراف لوقف العنف، فهل سنقفل الحوار؟

ويرى أن الأمر يحتاج إلى السير بكل المراحل معاً، وقد يحتاج إلى حزمة من الإجراءات المتبادلة والمتكاملة يتم التوافق عليها. وعلى الأطراف المتحاورة أن تكون مستعدة لقبول الآراء المتباينة، فنحن في أزمة، وهذا يعني وجود وجهات نظر مختلفة بل ومتنازعة، للوصول إلى تسوية تنقذ البلاد دون التفريط بالسيادة الوطنية ووحدة البلاد أرضاً وشعباً. على أن يشمل الحوار كل أطياف ومكونات المجتمع السوري، من أحزاب وتجمعات وشخصيات اجتماعية وثقافية وفكرية معروفة بتاريخها الوطني، وكل من لم يستقوِ بالخارج على وطنه.

قد يحتاج تفاقم الأزمة إلى توافقات دولية وإقليمية، ولكن الأساس هو الداخل.. وكي ينجح الحوار يحتاج إلى إيجاد أجواء مناسبة، فتشكيل اللجان الفرعية أثار لغطاً، وكان من الأفضل لو مثلت التنوع. ونرى أن كل اللجان التي ستقود الحوار، من وضع جدول الأعمال إلى استخلاص النتائج والقرارات، يجب أن تمثل التنوع والأطراف المتحاورة.. ويجب اتخاذ إجراءات تبعث الثقة، وتساعد على إشراك أوسع القوى في الحوار، كإطلاق سراح المعتقلين السياسيين الذين لم يثبت تورطهم بسفك الدماء، والتوقف عن الاعتقال الكيفي، وإعادة المفصولين إلى عملهم، والتعويض عليهم، وفي محافظتنا السويداء يمكن إجراء مبادرة حسن نية بإعادة الذين فصلوا من وظائفهم بسبب آرائهم، وإعادة المنقولين إلى أماكن عملهم الأصلية.

إن الحوار يتناول قضايا سياسية واجتماعية واقتصادية وتشريعية، ونعول على نتائجه، وسنعمل على أن يؤدي إلى انعطاف عن السياسات الاقتصادية والليبرالية التي سادت في السنوات الماضية، وكانت مفرزاتها من أسباب الأزمة، وضرورة التحول إلى سياسات تنموية متوازنة تدفع باتجاه التقدم الاجتماعي والعدالة الاجتماعية. وهذا يتطلب تكاتف قوى وأحزاب اليسار، والتقدم جميعاً للوقوف في وجه القوى الظلامية المرتبطة بالنفوذ الإمبريالي، وأن يكون التغيير باتجاه وطن الحرية ومجتمع مدني علماني تعددي تقدمي يحقق العدالة الاجتماعية. و أشار الرفيق نوفل عدوان، عضو اللجنة المنطقية، أنه بعد جهود حثيثة لعقد اللقاء التشاوري بدمشق خرج بتوصيات جيدة، ولكنها سرعان ما تلاشت قيمتها لأنها لم تُحترم، واليوم اتسعت دائرة المطالبين بالحوار والمؤيدين له كحل وحيد للخروج من الأزمة، وأيقن الكثيرون أنه لا جدوى من الحل الأمني والعنف. وأن تحكيم العقل والضمير يقتضي الحل السياسي السلمي من خلال الحوار الجاد والمخلص الذي يضع حداً لهذا النزيف، ويفتح المجال لمصالحة وطنية شاملة للاتفاق وإعادة البناء والإصلاح.

لكن الحوار لا يمكن أن يتم دون الاعتراف بالآخر واحترام رأيه وحقه بالدفاع عنه دون تخوين وإقصاء. وتغليب منطق الحوار يتطلب وقف الإجراءات التعسفية والاعتقال الكيفي وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وأصحاب الرأي.. والذين لم تشملهم مراسيم العفو التي استفاد منها المجرمون واللصوص وأصحاب السوابق، وهذا ليس شرطاً، وإنما هو ضرورة إذا كان المستهدف بالحوار صاحب الرأي المختلف.

لم تكن سورية يوماً بمنأى عن الاستهداف منذ أن نالت استقلالها، فكانت الأحلاف والمؤامرات حتى ظهور الجماعات المسلحة كما هو اليوم، ولكن ثمة أسئلة تثيرها بعض المعطيات:

ألم ينشأ الفكر الظلامي والتكفيري في ظل النظام الذي منحه الكثير من الميزات، وبضمنها قدرته على التحرك والتعبئة، في الوقت الذي تُعَدّ على التقدميين أنفاسهم وتمارس عليهم كل أساليب العسف والتمييز من تضييق وحرمان؟ ثم تدهور أوضاع شرائح واسعة من المواطنين، ألم تشكل بيئة حاضنة لأولئك؟ وهل ظاهرة السلاح والعتاد والأنفاق التي نراها يومياً على وسائل الإعلام، هل هي بنت الساعة، أم أنها ناتجة عن أعمال مخططة وتراكمية؟! ألم يكن الفساد درعاً وحامياً لها؟ أين دور الأجهزة المعنية بأمن الوطن والمواطن؟ إننا الآن نحصد ما زرعنا.

إن الإقرار بضرورة الإصلاح يعني إقراراً بوجود الخطأ، وهذا شيء إيجابي. ولابد للإصلاح من مقومات تكمن بجديته وعمقه، والأهم من ذلك مصداقيته التي لا يمكن أن تتحقق دون محاربة الفساد علناً، واستهداف رموزه أولاً، وإعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة، وإعادة الاعتبار لدور الدولة الرعائي والقيادي في الاقتصاد.

وبيّن الرفيق ممدوح هلال أن الحراك الذي يجري في سورية منذ سنتين بدأته القوى الوطنية، مثقفين وجماهير شعبية واسعة من كل الأطياف، خرجت لأجل كرامتها وضد الإقصاء والتهميش، وضد احتكار السلطة (واحد واحد الشعب السوري واحد). لقد هُمّشت الأحزاب والقوى التقدمية وبضمنها حزب البعث قبل الأحداث وخلالها. وقد كان لها أن تلعب دوراً هاماً وفاعلاً على ساحة النظام ومنع تحول الثورة إلى الاتجاهات الخاطئة. إن الصراع الجاري في المنطقة هو مطلبي ووطني، وفي جوهره طبقي وأيديولوجي بامتياز، ويبدو هذا واضحاً في ثورتَيْ مصر وتونس حيث تدور المعركة بين القوى العلمانية و الرجعية الدينية.

هناك أزمة ثقة، إذ إن الحل الامني قد فشل، ومؤتمرات الحوار السابقة فشلت أو أُفشلت، فلا يجوز أن نضيف إليها فشلاً جديداً.

إن العلاج الخاطئ واعتبار الحراك الجاري على ساحة الوطن هو مجرد مؤامرة، والاستهانة بهذا الحراك الشعبي حوّل الاحتجاج السلمي إلى مسلح على مدى البلاد، وأدخلها في نفق مظلم وأباح التدخل لكل طامع في خرابها.

نقترح عقد مؤتمر إنقاذ وطني مركزي تشارك فيه جميع أطياف المعارضة دون استثناء بضمانة دولية، إذ لا وقت للحوار والدماء تسيل، ولا بد من تهيئة الأجواء لهذا المؤتمر، ويأتي في طليعتها بادرة حسن نية وهي إخراج معتقلي الرأي من السجون، وإحالة الآخرين إلى القضاء، ووقف متزامن للعنف، وتقديم تنازلات قد تكون مؤلمة وذلك لمصلحة الوطن والمصالحة، مع رفع شعار (لا معارضة ولا موالاة، بل إنقاذ الوطن) والوقوف صفاً واحداً ضد التدخل الخارجي أياً كان مصدره، والرد على التصريحات التي تأتي من الشرق والغرب باعتبارها مساساً بكرامتنا الوطنية.

العدد 1104 - 24/4/2024