أوباما يندفع إلى الحرب على سورية بتكتيك جديد

في 3 أيلول التقى عضوا مجلس الشيوخ الأمريكي جون ماكين ولندسي غراهام، سمسارا صقور البنتاغون، بالرئيس أوباما وخرجا ليعلنا أنهما يؤيدان الآن خطط ضربات الصواريخ ضد سورية. قال غراهام إن الهجمات ستكون (أقوى بقليل) مما كان يظن. دار الحديث حول هجمات على سلاح الطيران والمدفعية والصواريخ السوري، وتأكيدات من أوباما أن الهجمات ستهدف إلى (تغيير التوازن في ساحة المعركة). ووصف ماكين الاجتماع ب (المشجع) وقال: إن عدم تأييد الضربات شيء (كارثي).

وهذا يُشير إلى التلاقي بين إدارة أوباما والعدوانيين المشربين بالروح الحربية في البنتاغون والطبقة الحاكمة الأمريكية. وهذه خطوة أخرى خطرة نحو تدخل عسكري.

شكوك الجماهير الأمريكية

طلب الرئيس باراك أوباما وإدارته في 2 أيلول موافقة الكونغرس على مغامرة عسكرية تجلب الموت والدمار للجماهير السورية، على الرغم من كل الجمل الناعمة والتجميلية عن ما تسمى (الضربات الجراحية) الدقيقة لصاروخ كروز، و(الاهداف المحدودة) و(الردع والتحجيم).

يحمل الهجوم المنوي على سورية إمكان تفجير أزمة أوسع بكثير، تجلب المعاناة والصعوبات لا لشعوب الشرق الأوسط فقط، بل كذلك للعمال والمظلومين في الولايات المتحدة.

توقع العالم كله أن يعلن أوباما شن ضربات الصواريخ على سورية في 31 آب. ولكنه قرر في اللحظة الأخيرة اختيار تكتيك جر الكونغرس إلى التأييد بغرض شرعنة عمل عدواني إمبريالي سبق أن تقرر.

طمس البنتاغون والرؤساء السابقون الشرعية الدستورية التي تنص على أن الكونغرس وحده يستطيع إعلان الحرب. ولكن أوباما في خطابه لم يتنازل رسمياً عن حق شن حرب دون تفويض الكونغرس، وقال فقط إنه سيكون هناك تفويض (أقوى) إذا فعل الكونغرس ما هو مطلوب شرعاً أن يفعله وصوَّت لصالح القضية.

وهذا الضغط على الكونغرس كي يصبح شريكاً سافراً في الضربة العسكرية بات ضرورياً عندما أخفقت محاولة نيل التأييد للحرب ببطارية من الأكاذيب التي تزعم ارتكاب الحكومة السورية ل (فظائع) الحرب الكيميائية.

مؤشرات خطرة من لندن

مؤشر قوي على العزلة الوشيكة للولايات المتحدة جاء عندما صوت البرلمان البريطاني ضد المشاركة في الهجوم. إن الحكومة الرأسمالية البريطانية التي وصفتها الجماهير البريطانية أثناء حرب العراق ب (كلب الولايات المتحدة) تراجعت عن الانجرار إلى المغامرة العسكرية الأمريكية.

إضافة إلى ذلك نأى الإمبرياليون الألمان بأنفسهم عن المغامرة. منظمة حلف شمال الأطلسي لن تتعاون. الجامعة العربية، الطيعة عادة، لم تؤيد الضربات. ومجلس الأمن لن يؤيد الضربات. والطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة منقسمة حول ما العمل؟

وحدهم الإمبرياليون الفرنسيون، الحكام الاستعماريون السابقون لسورية وذوو المصالح القوية فيها، يرغبون في دعم الهجوم.

يخشى الإمبرياليون الآن الانجرار إلى مغامرة عسكرية أمريكية، في الوقت الذي تعاني فيه الطبقات العاملة في العالم الرأسمالي، البطالة الواسعة وانخفاض الأجور وتزايد الفقر والتفاوت. لقد انخرطت الولايات المتحدة في ثلاث حروب كبيرة على الأقل في العقد الأخير، ويعرف مواطنوها أن تريليونات الدولارات أُنفقت على هذه المغامرات العسكرية. ولكن التقشف للعمال يتعمق في الوقت الذي يراكم فيه المصرفيون وأرباب العمل أرباحاً ومداخيل قياسية.

ما زالت في أذهان الجماهير الأمريكية صورة وزير الخارجية الأمريكية الأسبق كولن باول واقفاً أمام الأمم المتحدة في 5 شباط ،2003 وهو يشير إلى خرائط وتقارير وصور من الأقمار الصناعية، تثبت، على ما يزعم، وجود (أسلحة دمار شامل في العراق). ولازمت هذه كذلك عقول سياسيين بورجوازيين، مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق تونير بلير. انهارت سمعتهم لأنهم ربطوا أنفسهم بخداع الإدارة الإمبريالية الأمريكية. انقضت عشر سنوات على خطاب باول.

يعرف جميع حلفاء الولايات المتحدة اليوم، أن اتهاماتها تتحدى كل منطق، ويخشون فضحها في المستقبل. فالحكومة السورية لن تسمم شعبها بالغاز  تحديداً في ضواحي العاصمة دمشق  في اللحظة التي استقبلت فيها مفتشي الأمم المتحدة غير بعيد عن موقع الهجوم المزعوم. كما أنها لن تلجأ إلى أسلحة كهذه في اللحظة التي تحقق فيها تقدماً عسكرياً ضد قوى الثورة المضادة. سيكون عملاً انتحارياً بالنسبة للحكومة السورية، وهي تناضل من أجل الحصول على تأييد عالمي، المجازفة بتنفير الرأي العام العالمي من خلال تنفيذ عمل كهذا. لا أحد في الشرق الأوسط يتظاهر حتى بتصديق ذلك، باستثناء الحكومات الدُّمى في جامعة الدول العربية، وحلفاء آخرين للإمبرياليين الأمريكيين.

إن المستفيد الوحيد من عمل كهذا، إذا حدث، هي واشنطن التي خططت منذ وقت طويل لإسقاط الدولة السورية، وتشعر الآن بضرورة تنفيذ عدوان عسكري مباشر، بعد فشل كل الطرق الأخرى.

الجماهير الأمريكية تعاني (تعب التدخل)

نقلت صحيفة (وول ستريت جورنال) في 2 أيلول عن جيمس لندسي، المسؤول في إدارة كلينتون السابقة، قوله: (الجمهور لديه حالة واضحة من تعب التدخل بعد 12 عاماً من الانخراط وراء البحار، التمدد الأطول في تاريخ الولايات المتحدة).

أظهر استطلاع للرأي أجرته (رويترز) مع إبسوس، في الأسبوع الذي تصدرت فيه الإعلام الرأسمالي كل التقارير الرهيبة عن فظائع سورية مزعومة، أن 9 بالمئة فقط من المجيبين أيدوا تدخلاً عسكرياً. والصعوبات التي يواجهها أوباما في التصويت في الكونغرس مردُّها أن السياسيين، رغم الضغط من أجل الحرب، ما زالوا بحاجة إلى أن يُنتخبوا، والكثيرون منهم قد لا يرغبون في الارتباط بمغامرة عسكرية كارثية أخرى.

ألقى أوباما كلمته التي أعلن فيها عزمه على توجيه ضربة لسورية، عشية ذكرى اندلاع الحرب العالمية الثانية التي برزت فيها شخصيات مثلت البطولة والتضحية والمقاومة، وشخصيات مثلت الخيانة والعمالة والوحشية. ويظهر في الأدبيات السياسية الغربية اسم كيسلينغ رمزاً للخيانة. ويقال (كيسلينغيون) للإشارة إلى عملاء المحتل والخونة. كان كيسلينغ رئيس وزراء النروج أيام الاحتلال النازي ومنفذاً أميناً للسياسة الهتلرية. وقد أعدم بعد التحرير.

وفي المقابل كان هناك شخص قلما تتحدث عنه الكتب خارج بلده بولونيا التي بدأت الحرب العالمية الثانية بغزوها من جانب ألمانيا النازية، وهو بوتشك.

كان النظام في بولونيا في الأعوام ال 13 التي سبقت الحرب ديكاتورياً ورجعياً وفاشياً، وضع الشيوعيين في السجون. ومن أصل عشرين عاماً فصلت بين انبعاث بولونيا، نتيجة مؤتمر فرساي، وسقوطها تحت الاحتلال النازي قضى العامل والمناضل الشيوعي بوتشك 16 عاماً في السجن. وعندما غزت ألمانيا النازية بولونيا كانت بوتشك في السجن، وكان الحزب الشيوعي البولوني محلولاً بقرار من الكومنترن. انهارت جدران السجن نتيجة القصف النازي وهرب الحراس فخرج المساجين ومن ضمنهم بوتشك. لم يفكر بوتشك بالتشفي من النظام الذي ظلمه وبقية الشيوعيين، بل فكر فور خروجه من السجن بمقاومة الغازي، والتحق بأول فصيل مقاوم قابله وقاتل واستشهد، ويحمل اسمه شارع كبير في وارسو.

العدد 1107 - 22/5/2024