بعد أن أصبحت ملاذ العاطلين عن العمل.. العاملون على البسطات يستحقون أيضاً الدعم الحكومي

تقوم محافظة دمشق بحملات لإزالة البسطات المنتشرة في العديد من الطرقات والأرصفة، حتى باتت العديد من الشوارع الرئيسية في دمشق خالية منها إلا ما ندر.. وبالطبع هذه الخطوة ضرورية، خاصة في مناطق الازدحام والشوارع الرئيسية في المدينة، لأنها تعرقل سير المشاة والمركبات.. ولكن هنا لا بد من التنبيه إلى أمر جد هام.. ألا وهو أن هذه البسطات تعيل الكثير من الأسر، خاصة بعد أن فقدت مصدر رزقها وباتت عاطلة عن العمل في ظل الأزمة الحالية.. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية هذا النوع من النشاط الاقتصادي، خاصة في ظل الأزمة الحالية، إذ يعتبر هذا النشاط ركيزة الاقتصاد. وبالطبع هذا الكلام ليس من عندنا، بل جاء على لسان معاون وزير الاقتصاد حيان سلمان، الذي أكد أن اقتصاد الظل ساهم إلى حد ما بتماسك الاقتصاد الوطني، في وجه ما تعرض له من استهداف مباشر لبناه التحتية خلال الأزمة التي تمر بها البلاد، لافتاً إلى أن الكثير من السلع والخدمات كانت تؤمن عن طريق اقتصاد الظل المعروف بالقطاع غير المنظم.

إذاً القطاع غير المنظم أو اقتصاد الظل كان حاملاً أساسياً للاقتصاد في ظل الأزمة الراهنة، وللأسف في كل يوم نسمع أن هناك حملات تقوم بها محافظة دمشق لإزالة البسطات، وليس العتب على هذا الأمر، ولكن أن يتم مصادرة بضائع البسطات من ألبسة وسلع ومواد، كلفت المعتاش على هذه البسطات الكثير من المال، أي أنه وضع رأسماله وكل ما يملك فيها.. وفي النهاية تذهب دون تعويض ودون إيجاد مكان بديل له، فهذا أمر له منعكسات سلبية اقتصادية واجتماعية الكل يعلمها، ذلك أن العاطل عن العمل سيبحث عن أي طريقة للحصول على قوت رزقه، ولو اتبع الطرق غير القانونية من سرقة واحتيال وربما الشغب أيضاً، ونحن بغنى عن هذه المظاهر السلبية.

 بالطبع لا يخفى على أحد أن للبسطات أثراً سلبياً، لأن العديد من السلع ضبطت تباع على عليها دون مواصفات ودون أدنى شروط السلامة الغذائية، سواء كانت بضائع مزورة أو سلع منتهية الصلاحية، وأخرى فاسدة وأخرى مهربة وغيرها الكثير، ولكن هناك بسطات تقوم ببيع الألبسة ومواد نظامية وغير فاسدة، وبالطبع يقع اللوم في متابعة البسطات ورقابتها على وزارة التجارة الداخلية، ذلك أن الرقابة التموينية يجب أن لا تقتصر فقط على المحلات وأماكن البيع النظامية، بل يجب أن تشمل أيضاً البسطات، لأنها أصبحت ملاذاً للكثير من ذوي الدخل المحدود لأن أسعارها تتناسب ودخلهم.

رغم سلبياتها.. فإيجابياتها أكثر..

وفي حال نظرنا إلى إيجابيات البسطات مقابل السلبيات، فإننا نجد أن إيجابياتها أكثر من سلبياتها ويجب على الحكومة أن تأخذها في الحسبان، وأن لا تغفل عنها.. وأن تعمل على مراعاتها. مثلاً فمن إيجابيات هذا القطاع الهام وغير المنظم، أن البسطات استطاعت أن تؤمن العديد من فرص العمل للعاطلين عن العمل، وخلقت سوقاً بديلاً يمكن أن يكون أقل سعراً وأكثر تلبية لحاجات ذوي الدخل المحدود، ذلك أن هذا النوع من النشاط التجاري لا يخضع للضرائب والرسوم.. لذا فإن أسعاره تعتبر أرخص من السوق النظامية، وهو سوق رديف بأسعار أقل. ويالنظر إلى أهمية هذا المحور الاقتصادي الهام في الاقتصاد الوطني ومع انتشاره وتشعبه ولجوء الكثير من العاطلين عن العمل إليه، فقد أصبح من الضرورة بمكان أن يتم تنظيمه وعدم مكافحته دون إيجاد بديل لهؤلاء المتضررين والعاطلين عن العمل، وطرحت سابقاً العديد من الأفكار حيال تنظيم هذه الظاهرة، إلا أن ذلك لم يحدث نتيجة الظروف الراهنة، ولكن مع الأزمة الحالية ومع اتساع هذه الظاهرة أصبح من الضروري تنظيمها، لذا نؤكد أهمية أن تقوم الجهات المعنية بإيجاد أماكن معينة وتجمعات مناسبة لكلا الطرفين، سواء للبائع وللزبون، بحيث تكون هذه المناطق قريبة من التجمعات السكانية ويقصدها الزبون ولا تكلفه الكثير للوصول إليها، كما يجب أن تكون مخدمة بالنسبة للبائع ببنى تحتية، وهذه هي مهمة دوائر الخدمات في المحافظة، بحيث تعمل على توفير بنية تحتية مناسبة لإقامة مثل هذه الأسواق الشعبية، مقابل رسوم رمزية يدفعها صاحب البسطة للمحافظة، أي رسم بسيط مقابل خدمة بسيطة، يمكن بذلك أن تنظم هذه الظاهرة.. وبالطبع نجد حالياً عكس ذلك، إذ تقوم الجهات الحكومية بإزالة البسطات ومصادرة البضائع دون إيجاد البدائل المناسبة لهؤلاء، وخاصة أن البسطة تعتبر كما ذكرنا باباً للرزق.. لذا نؤكد أهمية عدم مكافحة هذه الظاهرة إلا في حال زادت عن حدها، وقبل تأمين البديل لهم وتأمين مدخل رزق آخر، لأنه في حال أزيلت البسطات دون بديل، فيعني ذلك أن الحكومة أضافت عدداً جديداً من العاطلين عن العمل إلى معدلات البطالة وزادت من ضيقهم المادي.. وبالطبع الحكومة لا تسعى لذلك.. لذا من الضروري جداً أن تعمل على تأمين البديل قبل أن تعمل على إزالة أي بسطة.

البسطات لا تقل أهمية

وفي حال سألت أي صاحب بسطة عن عمله السابق، سيقول لك إنه لم يمارس هذه المهنة من قبل، بل كان يعمل إما في معمل للخياطة أو معمل خاص أو في شركة، ولكن أغلقت نتيجة الأزمة، أو أنه طرد من العمل، أو أنه فَقَدَ عمله ومنزله ودكانه الذي كان يعتاش منها وبات في الإيجار وبانتظار التبرعات الشهرية أو ربما لم تصل إليه التبرعات أيضاً.. هذه الحالة موجودة في مجتمعنا ويجب على الحكومة أن تراعي ظروف هؤلاء، وأن تعمل على مساعدتهم لا مكافحة عملهم، فكيف لمثل هؤلاء أن يحصلوا على لقمة عيشهم في حال صودرت بسطاتهم ولم يجدوا بديلاً لهم.. هل يسرقون أم ماذا يعملون؟.. الجوع كما يقال كافر.. وإذا نزل الجوع ذهب العقل، ولا نريد للعقول أن تذهب بل نريد العكس، لذا نأمل من الحكومة السعي الجاد لإيجاد أسواق تكون ملاذاً لأصحاب البسطات، ونقلهم للعمل فيها وتنظيمها، وتأمين البنى التحتية لهم، فهم لا يختلفون عن أي صناعي أو تاجر كبير في البلاد.. فكما تسعى الحكومة لتذليل صعوبات الصناعيين والمستوردين، فيجب عليها أيضاً أن تسعى في الوقت نفسه لتذليل صعوبات هذه الشريحة الهامة جداً في مجتمعنا، والتي أصبحت تعاني الكثير في ظل غلاء المعيشة، وفي ظل الملاحقة الدائمة لهم من قبل البلديات، فهم لديهم أسر مثلما للتجار أسر، وهم ركيزة في الاقتصاد والتاجر والصناعي ركيزة في الاقتصاد.. ولا ننسى أن البسطات نشاطها الاجتماعي أوسع، أي أنها تخدم الكثير من المواطنين والأسر، لذا نؤكد أهمية تنظيم عملهم وعدم مكافحتهم إلا بعد وجود بدائل مناسبة لهم، والتشديد على الرقابة عليهم في الوقت نفسه لمنع بيع أي مواد فاسدة أو غير صالحة.

ارتفاع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي

تتباين الآراء حول مساهمة هذا النوع من الاقتصادات في الناتج المحلي الإجمالي، إلا أن دراسة قام بها معاون وزير الاقتصاد حيان سلمان في 2009 خلص منها، إلى أن مساهمته في الناتج شكلت نسبة تراوحت بين 42و48%، ما يؤكد أن نسبة 45% من هذه المساهمة تستفيد من خدمات الموازنة العامة للدولة ولا تشارك فيها.

وارتفعت مساهمة اقتصاد الظل في الناتج خلال سنوات الأزمة الراهنة بنسبة 15% مقارنة بالنسبة التي خلصت إليها الدراسة التي قام بها، وهذا معناه، إذا كانت مساهمة هذا الاقتصاد في الناتج المحلي الإجمالي، تراوحت ما قبل الأزمة بين 42و48%، فإن نسبة مساهمته اليوم ارتفعت لتتراوح بين 57و63% حسب ما كشف عنه معاون وزير الاقتصاد.

وعلى حدّ تعبير معاون وزير الاقتصاد، فإن اقتصاد الظل يمتلك من المرونة أكثر مما يمتلكه القطاع الخاص المنظم والقطاع العام، وبالتالي فإن الكثير من السلع والخدمات التي كنا نشاهدها وما زلنا اليوم، نلحظ وجودها بوفرة، حتى على الطرق أو ما يعرف بالعامية البسطات، إذ استطاع أصحابها تأمين السلع بشكل مرن وبعيداً عن التنظيم.

العدد 1104 - 24/4/2024