في ملتقى الحوار الوطني بحلب

انعقد في السادس من شباط الجاري ملتقى للحوار الوطني بحلب تحت عنوان (الميثاق ومشروع الإنقاذ) دعت إليه أمانة حلب للثوابت الوطنية. ولن يكون هذا الملتقى إلا فاتحة لمؤتمرات وملتقيات حوار أخرى على صعيد حلب، كما أوضح محافظ حلب محمد وحيد عقاد في بداية الملتقى.

ويأتي هذا الملتقى في إطارين: الأول متابعة الملتقيات السابقة التي جرت خلال أشهر الأزمة المنصرمة من دار رجب باشا إلى السبيل إلى دار زمريا، والثاني بدء الحوارات التي دعت إليها لجنة الحوار الحكومية المشكلة لتنفيذ مبادرة رئيس الجمهورية في 6 كانون الثاني الماضي. وقد شاركت في هذا الملتقى إضافة إلى أحزاب سياسية (تقليدية)، كما جاء في كلمة مدير الملتقى د. عبد الهادي نصري، أحزاب جديدة، وشخصيات مستقلة وشبابية متنوعة. وغاب عنه أي تمثيل لنقابات العمال (ربما لانشغالها في عقد المؤتمرات النقابية). ويعد هذا الملتقى محلاً للتعبير عن المخاوف والهواجس وإعلاء الصرخات حول التدمير وهول الكارثة الإنسانية والاقتصادية الحاصلة. وتعرضت مداخلات قليلة لمضمونه اللازم، أي وضع ملامح لميثاق وطني ستتوصل إليه القوى المختلفة المشاركة في مؤتمر الحوار الوطني، وتتوافق على مشروعه الذي سيطرح للاستفتاء الشعبي وفق البرنامج السياسي للحكومة.

ومع ذلك ورغم المآسي التي تحدثت عنها أغلب المداخلات، واللغة القابلة للآخر لدى أكثر المتداخلين، والنية الصادقة الباحثة عن طريق للوصول إلى تفاهمات أو توافقات (حتى مع مجموعات المسلحين)، كما أعلنت الأمانة. لكن طيف القوى التي شاركت هي القوى نفسها التي دعت للحوار منذ البداية، أو قبلت المشاركة فيه. وبالتالي تصبح هذه السلسلة من الملتقيات، أو هذا المسار من الحوارات، أقرب ما يكون إلى توافق تعقده القوى المشاركة لما تريد من الحوار والعملية السياسية التي تطمح إليها. وكذلك ما تريده من الميثاق الوطني في رسم لوحة سورية التالية. وهذا فعلاً ما تم التوافق عليه في الدستور الجديد الذي شاركت هذه القوى فيه (رغم بعض الملاحظات لكل منها). وهذا مهم جداً، لأن الشرائح السورية التي تمثلها هذه القوى تحتاج إلى هذا التوافق الذي يرفع شعار سورية مدنية، علمانية، تعددية، دولة لكل مواطنيها بالعدالة الاجتماعية وسيادة القانون على الجميع، وباقتصاد تقوده الدولة، ولا ينهي الدعم الحكومي للسلع والخدمات الأساسية.

وقد عبرت مداخلة الحزب الشيوعي السوري (الموحد) عن رؤيته السياسية لبناء الدولة ولحل الأزمة على الصعيد الداخلي وأنها من ثلاثة مناح متداخلة، هي المنحى الوطني والمنحى الاقتصادي – الاجتماعي والمنحى الديمقراطي.

وإن قراءة تاريخ سورية الحديث بمرحلتيه: مرحلة التحرر الوطني، ومرحلة بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، يرتكز على تجادل هذه المناحي. وأنه يرى أن إنجاز مهام مرحلة التحرر الوطني يحتاج بحده الأدنى إلى تحرير الجولان، ومفتوح على استمرار النضال بجميع الأشكال لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي بحل عادل وشامل لقضية اللاجئين وقضية القدس.

وبيَّن أننا لن نقبل في صياغة الميثاق الوطني بأقل من هذا على المستوى الوطني، وبأقل من استمرار الدعم الحكومي في اقتصاد تقوده الدولة وموجه لكل المواطنين.

ورأت المداخلة أننا بحاجة اليوم لاستعادة الثقة، ويترجم هذا على المستوى الوطني برد حاسم على العدوان الإسرائيلي السافر، وعلى المستوى الاقتصادي – الاجتماعي بالعمل بشكل جاد على تخفيف الأزمات المعيشية للمواطنين وتوفير السلع الأساسية له رغم الأوضاع الأمنية السيئة بضرب الفاسدين وتجار الحروب والمحتكرين، وعلى المستوى الديمقراطي وتجاوباً مع قبول دعوات الحوار التي بدأت تلوح بين أطراف من المعارضة الوطنية فلا بد من إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، معتقلي الرأي والفكر.

استمر الملتقى أربع ساعات، وانتهى بجملة مقترحات وتوصيات، نوردها لكم في مايلي، وبالاتفاق على ضرورة تنظيم ورش عمل اختصاصية ومتابعة فعاليات الحوار تحضيراً لمؤتمر الحوار الوطني في دمشق.

 

توصيات اللجنة التحضيرية للمتقى الحواري لأمانة حلب للثوابت الوطنية

أولاً- مطالبة الحكومة السورية التي كلفت بوضع آليات عمل لتطبيق المبادرة بما يلي:

1 – فتح دائرة الحوار الوطني لتشمل هيئات المجتمع وتياراته إلى جانب القوى والأحزاب السياسية الفاعلة على الأرض، وعدم الاقتصار على الأحزاب والقوى السياسية التقليدية التي تعد المسؤولة الأولى عن الأزمة وما آلت إليه أوضاع البلاد.

2 – وضع آجال زمنية محددة للمراحل، وعدم ترك الأمور مفتوحة على عواهنها.

3 – التوجه بصورة جدية لمعالجة الأوضاع الداخلية التي أصبحت بحالة كارثية بالنسبة للوطن والمواطنين، ونخص بالذكر مدينة حلب معتمدين مبدأ أن الوضع الداخلي هو حصانة وقوة للقرار الوطني الخارجي.

4 – حماية ما بقي من المؤسسات الاقتصادية والاستراتيجية، وما يتصل بالموروث الثقافي والأثري والمدن القديمة والأوابد التاريخية في خطوات استباقية وفق سلم الأوّليات.

5 – بلورة آليات عمل انطلاقاً من المتغيرات الراهنة والقراءات المستقبلية.

 

ثانياً- في الجانب السياسي:

1 – الحفاظ على استقلال سورية ووحدة ترابها الوطني.

2- الجيش العربي السوري رمز السيادة الوطنية، وهو الدرع الحامي للوطن والمواطن.

3 – القطيعة الكاملة مع المشروع الإمبريالي العالمي لقوى الاستعمار، المتمثلة بالغرب والولايات المتحدة والكيان الصهيوني.

4 – إن التحول الديمقراطي في سورية لا يتم إلا باستعادة الحياة السياسية الحزبية، والمعارضة الوطنية جزء لا يتجزأ من النظام السياسي.

5 – تعزيز الوحدة الوطنية من خلال توحيد الجهود لترسيخ الصمود الوطني.

6 – تأكيد اللاءات الثلاث: لا للطائفية، لا للإرهاب، لا للتدخل الخارجي.

7 – دعم حركات المقاومة وتحرير الجولان وعودته للسيادة الوطنية السورية.

8 – إدانة مواقف المتآمرين: حكومة أردوغان، وأعراب الخليج، من خلال ضلوعهم في مؤامرة تصدير الإسلاموي السياسي، والتنظيمات الإخوانية وفق النموذج الطالباني.

9 – صياغة ميثاق وطني يؤسس لحياة سياسية واجتماعية يطمح إليها جميع السوريين.

10 – إعادة النظر على ضوء الميثاق الجديد بالدستور وقانون الانتخاب، وانتخاب مجلس جديد للشعب، وتعزيز مبدأ فصل السلطات (التشريعية – التنفيذية – القضائية – الرقابية) وتأكيد دور السلطة القضائية ونزاهتها واستقلالها.

 

ثالثاً- الجانب الاجتماعي والاقتصادي:

1 – الشعب السوري ببنيانه الاجتماعي يمثل مجموع المواطنين المتساويين في الحقوق والواجبات، وهو نتاج حالة تاريخية تجمعه رابطة الثقافة العربية والإسلامية ببعديها الحضاري والإنساني، فضلاً عن دور رسالة المسيحية السمحاء.

2 – إن الدولة السورية العلمانية هي ثمرة ذلك البعد التاريخي والحضاري، على قاعدة الدين لله والوطن للجميع.

3 – إنجاز مصالحة وطنية شاملة أساسها التسامح والتراحم والعفو من خلال حوار وطني شامل، فالحوار قيمة إنسانية وإنقاذية بآن واحد.

4 – متابعة سياسات الإصلاحات الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية والمعيشية للمواطنين، وإيجاد آلية دعم تصل إلى مستحقيها دون تجاوزات، ومواجهة السياسات الليبرالية الاقتصادية ببناء اقتصاد وطني يقوم على أساس: أعلى معدل للنمو، وأعمق عدالة اجتماعية.

5 – ضرورة التوجه الاقتصادي شرقاً مع العراق وإيران والقوة الاقتصادية المتمثلة بروسيا والصين ومجموعة البريكس وسواها.

6 – تأكيد دور القطاع العام وتطويره وتحديثه إلى جانب القطاع الخاص الوطني.

7 – استعادة دور الدولة في مفاصل الاقتصاد السوري الاستراتيجي (نفط – كهرباء – غاز – اتصالات – مرافئ.. إلخ).

8 – مكافحة الفساد بمختلف مستوياته وتأكيد ضرورة المحاسبة وتطوير آلية الأداء الإداري.

9 – الحفاظ على المنجزات الاقتصادية والاجتماعية (تعليم – صحة – تأمين فرص عمل للمواطنين.. إلخ).

10 – ربط الأجور بالأسعار.

 

رابعاً- الجانب الأمني والخدمي:

1 – توفير أجواء حقيقية تشجع غير المتورطين في سفك الدم السوري على إلقاء السلاح والاندماج في المجتمع.

2 – تسريع الإجراءات المتعلقة بالموقوفين لدى الجهات المختصة، وإعلام ذويهم بوضعهم الأمني، والتقيد بالقوانين والأحكام الخاصة بموضوع الموقوفين. كما ينبغي معالجة أوضاع الموقوفين سابقاً وتسوية هذا الملف بشكل كامل.

3 – عدم توقيف أي مواطن إلا بموجب القوانين النافذة في هذا المجال.

4 – إعادة النظر بقوائم الفصل من العمل لدى الجهات العامة، والتدقيق بهذه القوائم لتشمل من يدعم الأعمال الإرهابية فقط.

5 – تأمين الخدمات الأساسية للمواطن، من كهرباء ومياه وخبز ومحروقات، والحد من استنزاف المواطن في قوته اليومي.

6 – التدخل المباشر للدولة في تحديد الأسعار، وبخاصة سعر الصرف، وحماية القدرة الشرائية لليرة السورية.

العدد 1104 - 24/4/2024