رحيل البطل الثوري الفيتنامي فونغوين جياب

توفي في 4 تشرين الأول الجنرال فونغوين جياب بطل وقائد نضالات الشعب الفيتنامي ضد الإمبريالية اليابانية والفرنسية والأمريكية.

كان جياب المؤسس والقائد الأعلى للجيش الشعبي الفيتنامي، وساعد في تطوير وتطبيق مفهوم (الحرب الشعبية) التي استخدمها الفيتناميون أولاً لإلحاق الهزيمة بالحكام الاستعماريين الفرنسيين في عام ،1954 وبعد ذلك لطرد الإمبريالية الأمريكية ودُماها عن فيتنام الجنوبية في عام 1975.

ينظر إلى جياب بوصفه كنزاً وطنياً، وبالارتباط مع الحرب التاريخية التي قادها لأجل تحرير فيتنام من السيطرة الاستعمارية والإمبريالية. واعتمد جياب في تدريبه العسكري الفهم السياسي والتمسك الثوري بتطوير مفهوم (الحرب الشعبية) التي هزمت القوات الأمريكية، الأفضل تسليحاً بكثير، في فيتنام.

كان والدا جياب ريفيّين وكانت أحوالهما حسنة إلى حد ما، وانحدرا من أسرتين عارضتا الاستعماريين الفرنسيين الذين حكموا فيتنام في عام 1911. وانضم جياب إلى جماعة شبابية عارضت الاحتلال الفرنسي في عام 1925 وقضى وقتاً في السجون الفرنسية عندما كان في سن ال 19. وبعد إطلاق سراحه انضم إلى الحزب الشيوعي في عام ،1931 وأكمل دراسته وأصبح معلماً وصحفياً وثورياً وداعية. وأرسل في أواخر الثلاثينيات إلى الصين للعمل مع هوشي منه على تنظيم حركة ثورية في أوساط المهجر الفيتنامي.

خلال الحرب العالمية الثانية، حلت اليابان محل فرنسا كقوة استعمارية في فيتنام، عاد جياب إلى البلد لتنظيم المقاومة ضد الاحتلال الياباني. وبعد ثورة آب 1945 التي أطاحت بالحكم الياباني، أصبح جياب وزيراً للداخلية في حكومة هوشي منه المشكلة حديثاً.

ولكن فرنسا بدأت تسعى إلى إعادة احتلال فيتنام في خريف عام 1945. كان الحزب الشيوعي في الهند الصينية يضم نشطاء سياسيين من المستعمرات الفرنسية في المناطق التي أصبحت فيما بعد فيتنام ولاووس وكمبوديا. وقرّر الحزب أن فيتنام بحاجة إلى جيش لمقاومة المساعي الفرنسية. واختير جياب لتشكيله وقيادته. وفي مقابلة معه في عام ،2003 شرح جياب أنه تصور دور الجيش كوسيلة لتنظيم الجماهير لممارسة الكفاح المسلح الذي سيؤدي إلى ثورة سياسية.

قال جياب (بعد 48 ساعة من تأسيسه حقق جيشي الجديد انتصارين متتاليين. كان الأول ضد الموقع الفرنسي فاي خات، وكان الثاني في نانغان) على مسافة 21 ميلاً فقط. أما عميل المخابرات الذي قدم المعلومات اللازمة للهجوم على فاي خات فكان هوانغ، البالغ من العمر 13 عاماً، في حين يدين الهجوم على نانغان بنجاحه ل (روك لونغ، رجل من المنطقة). قال جياب لقواته: (كونوا شجعاناً وسريعين، واسعوا إلى انتصارات أكيدة). وتمسك بهذا الشعار منذ تأسيس الجيش الشعبي حتى الهجوم الذي أدى إلى طرد الولايات المتحدة أخيراً من فيتنام في عام 1975.

كانت معركة ديان بيان فو الحاسمة في عام 1954. شهران من الحصار في تلال في شمال غربي فيتنام.

تمكن جياب من عرض قوة استراتيجية الحرب الشعبية. فقد قاتل مئة ألف جندي فيتنامي الجيش الفرنسي المحصّن جيداً، وكان هناك مئة ألف آخرون من العمال الفيتناميين  معظمهم من النساء  الذين وفروا الدعم اللوجيستي وحملوا المدفعية مفككة على الدراجات أو على ظهورهم، إلى جانب الذخيرة والطعام للجنود الفيتناميين. ذهلت القوة الاستعمارية الفرنسية لهزيمتها المرة المخزية مع أكثر من 11 ألف أسير فرنسي، وتخلت عن حملتها لإعادة احتلال مستعمراتها السابقة في الهند الصينية.

على الرغم من أن المدفعية الفرنسية والقوة الجوية الفرنسية أوقعت إصابات خطيرة بين الجنود والعمال الذين دعموهم مباشرة، لم تنهر المعنويات الفيتنامية، عرف الجنود والذين زودوهم أنهم يقاتلون من أجل السيادة الوطنية، وعرفوا كذلك أن النضال التحرري الذي يقوده الحزب الشيوعي سيعني مكاسب اجتماعية كبيرة للفلاحين والعمال.

مفهوم الحرب الشعبية

شرح جياب مفهوم الحرب الشعبية المألوف الآن: (إنها حرب من أجل الشعب وبوساطة الشعب. من أجل الشعب، لأن أهداف الحرب هي أهداف الشعب  أهداف مثل الاستقلال وبلد موحَّد وسعادة شعبه.. وبوساطة الشعب، وهذا يعني الناس العاديين، ليس الجيش فقط بل الشعب كله).

وقال: (نعلم أن العامل البشري، وليس الموارد المادية، ما يقرر نتيجة الحرب. ولذلك كانت حربنا الشعبية بقيادة هوشي منه، واسعة بهذه الدرجة. لقد ضمت كل السكان).

قدمت الولايات المتحدة الكثير من التمويل والإمدادات العسكرية التي استخدمتها فرنسا قبل أن ترغم القوة العسكرية السابقة على الانسحاب في نيسان 1956. ودعمت واشنطن النظام الذي خلفه الفرنسيون في فيتنام الجنوبية وعارضت الانتخابات الموعودة التي كانت ستوحد البلد، الانتخابات التي كانت متوقعاً أن يفوز فيها زعيم فيتنام الشمالية هوشي منه.

اتبعت الولايات المتحدة سيناريو بات مألوفاً الآن، فصعدت التدخل العسكري المباشر عندما انهار النظام الدموي في فيتنام الجنوبية. أرسلت أولاً مستشارين، وبعد ذلك وحدات قتالية كاملة في عام ،1965 مصعدة تورطها حتى هجوم تيت في عام 1968. كان ذلك عندما نفذت قوى التحرر الفيتنامية انتفاضات مفاجئة متزامنة في مئات البلدات والقرى في كل مكان من فيتنام الجنوبية، منسقة مع ضربات المغاوير ضد سفارة الولايات المتحدة في سايغون والعديد من قواعد القوات الجوية الأمريكية الكبيرة. قلب هجوم تيت الموجةَ ضد قوات الولايات المتحدة في فيتنام.

صرّح جياب لمحطة بي بي إس في عام 1999: (كانت السياسة الأمريكية تقوم على محاولة تصعيد الحرب. وكان هدفنا في هجوم 68 إرغامهم على التخفيض بدلاً من التصعيد، أن نكسر الإرادة الأمريكية في الاستمرار في الحرب.. فعلنا ذلك بمواجهتهم بانتصارات عسكرية وسياسية ودبلوماسية).

فقدت الولايات المتحدة 226,58 جندياً في حربها في فيتنام واعتبرت عدة آلاف مفقودين في العمليات.

وجاءت هذه الخسائر في فترة يقظة سياسية داخل الولايات المتحدة، وخصوصاً النضال التحرري الأسود، وكان هذا أكثر من كاف لتمزيق التأييد الشعبي للحرب وتحويل المشاعر الشعبية ضد الحرب.

وأعلنت فيتنام في 3 نيسان 1995 أن ما مجموعه مليون مقاتل فيتنامي وأربعة ملايين مدني قتلوا في الحرب. ولم يعترض أحد عموماً على هذه الأرقام. وعلى الرغم من هذه الوفيات لم تتمكن الولايات المتحدة من كسر إرادة الفيتناميين في خوض الحرب الشعبية من أجل السيادة الوطنية والتحرر من الاستعمار الجديد.

ولكن عواقب العدوان الأمريكي ضد فيتنام ما زالت ماثلة اليوم بشكل آثار باقية رهيبة لاستخدام العامل البرتقالي الذي يتكون من مبيدات للأعشاب قوية نشرتها القوات الجوية الأمريكية فوق مساحات واسعة من فيتنام الجنوبية. وعلى الرغم من انقضاء أكثر من أربعين عاماً على آخر إلقاء لهذه السموم، لا يزال الأطفال الفيتناميون يولدون بعيدين عن الحالة السوية جسدياً وعقلياً، معاقين على نحو خطير نتيجة تلويث البيئة وتركته الجينية. رفضت الولايات المتحدة تقديم أي تعويض أو الإسهام في إعادة الإعمار، ويمس هذا الأطفال الفيتناميين المتضرريين بهذه السموم. لا بل كانت واشنطن معارضة جداً لتعويض المحاربين القدماء الأمريكيين وأطفالهم المتضررين بهذه السموم.

مستخدماً مهاراته التي طورها في بداية حياته العملية بوصفه صحفياً ثورياً، وصف جياب وحلل النضالات التي قادها. جاء ذلك في كتابين مهمين له هما: (راية الحرب الشعبية، الخط العسكري للحزب) و(الفن العسكري للحرب الشعبية) اللذين صدرا باللغة الإنكليزية في عام 1970.

وفي حديث إلى شبكة سي إن إن في عام 2004 تحدث جياب عن حرب الولايات المتحدة ضد العراق قائلاً إن الشعب الذي ينهض ويعرف كيف يتوحد سيهزم دوماً الغازي الأجنبي. وقال الجنرال الفيتنامي: (عندما يملك الشعب التصميم على الوصول إلى الاستقلال والسيادة.. ويظهر التضامن، فهذا يعني أن الشعب يستطيع أن يهزم العدو).

قال جياب: (لا شيء أثمن من الحرية).

حارب جياب القوى الاستعمارية ومات حراً.

عاشت ذكرى الجنرال الكبير فونغوين جياب!

العدد 1104 - 24/4/2024