طعم الفضيحة… تهريب 11 مليار دولار للبنان والمركزي يدعو المواطن للتحلي بالسلوان!

تهريب القطع الأجنبي إلى الخارج، بطريقة ممنهجة، وبدعم من التغاضي الحكومي، والسلطات النقدية، هو فضيحة بحد ذاتها. فالتوقعات التي كان يتحدث عنها الخبراء، ويحذر منها المحللون والأكاديميون، وأمام تغاضي الجهات الرقابية بمختلف أنواعها، أُثبتت جلياً، بدراسة للأسكوا، أكدت فيها أن 11 مليار دولار، سورية المنشأ، دخلت إلى النظام المصرفي اللبناني. وهو رقم لايمكن الاستهانة به، أو التقليل من أهميته، ليبرز التساؤل، في حال دقته. والترجيحات تؤكد أن المعلومة صحيحة، من أين أتت هذه المليارات؟ ومن هم أصحابها؟ وكيف خرجت؟ وهل مازال التهريب هو البوابة الرئيسية لنقل القطع الأجنبي من سورية إلى لبنان، بالتوكؤ على تأمين السلع الأساسية، وتمويل المستوردات؟

أسئلة صادمة، لا تقل أهمية عن هول الصدمة الأولى، التي خلقتها دراسة الأسكوا، التي يديرها من بيروت النائب الاقتصادي السابق عبدالله الدردري، المثير للجدل، ويخلق الإشكاليات تلو الأخرى، أمام أي تصريح يدلي به، أو موقف يتخذه.

وهذه المرة أتت الصدمة من دراسة  بحد ذاتها، وهي لم تعرج على طرق وصول هذه المبالغ الطائلة إلى المصارف اللبنانية على الإطلاق، ولم تتحدث عن مدى الخسارة الكبيرة التي لحقت بالاقتصاد السوري عامة، والليرة بخاصة، بسبب هذا التهريب المحكم للقطع الأجنبي، بقصد تفريغ السوق السورية مما بقي من دولارات تسند حال الاقتصاد المتهالك، والذي يمكن وصفه بالرجل المريض حقاً. إضافة إلى ممارسة مزيد من الضغوط المالية والنقدية فضلاً عن الاقتصادية والاجتماعية، على الاقتصاد الوطني، وخلق حالة من الجفاء والقطيعة، بين الاقتصاد والموارد التي تغذي خزانته، وتجفيف ما تبقى من موارد يمكن أن تسهم ولو قليلاً في رفد السوق المحلية بالقطع الأجنبي الذي يتزايد الطلب عليه منذ بدء الأزمة في سورية قبل 28 شهراً متتالية، حاملة بين طياتها العنف والقتل والدمار.

هذه المبالغ الكبيرة، التي شكلت نحو 61% من حجم الاحتياطي لدى مصرف سورية المركزي، على سبيل المقارنة، ذهبت تهريباً إلى لبنان، ولم تصل إلى مصارفه، بدافع العمل الاقتصادي المشروع، أو أنها تحويلات مصرفية ونقدية طبيعية. ولم يكن بمقدور الرأسمال الجبان، البقاء هنا، في مصدر تكوينه، وباب رزقه الذي جُني منه، لأن طبول الحرب في سورية كانت كفيلة بجعل وجهة هذا المال إلى الخارج، والتخوف الكبير الذي ملأ قلوب أصحابه، كان دافعاً أساسياً ليكون الخارج وجهته، نظراً لغياب الثقة وانعدامها بين أصحاب هذه الأموال (الدولارية) والسلطات النقدية، التي لم تتورع عن كيل التهم وتوزيعها على المضاربين والمتلاعبين، وتجاهلت ما يجري في الواقع، وتغاضت عن دراسة معرفة أسباب ودوافع هذا الطلب المتزايد على الدولار؟ وبنهاية المطاف أين يذهب؟ ومن هي المصارف التي شكلت محطة نهائية وآمنة له؟  فحاكم مصرف سوية المركزي لم يجد ما يقنع به المواطن بقوة ومتانة الليرة، بعد كل هذا الوقت الطويل، ولم يجد من الإجراءات ما يعيد الثقة إليها، ويسهم في تثبيت أسعار الصرف، إلا بمخاطبة المواطن بالتحلي بالصبر والسلوان، وهذه فكرة جديدة يمكن أن تُدرس في علوم النقد وأسواق الصرف المتوترة، وأسعارها المتصاعدة بقفزات متتالية وكبيرة.

يتزايد الجدل العقيم، حول أسباب انخفاض قيمة الليرة، وهبوط أسعار صرفها، وتظهر الدعوات المختلفة، لإعادة العمل بحقبة الثمانينيات، من القرن الماضي، وتشديد الإجراءات المصرفية والنقدية على حركة الأموال، لاسيما القطع الأجنبي منها. وبلا شك هذه بالمجمل إجراءات مطلوبة، وضرورية، ولايمكن تجاهل قيمتها الكبرى في حال طُبقت بحذافيرها، وشملت الجميع، وبالذات أصحاب النفوذ، والقوى التي تدور في فلكهم، وإلغاء قاعدة خيار وفقوس التي أنتجت حالة مثيرة للبكاء والأسى، ومازالت هذه القاعدة أحد مسببات بقاء أسعار الصرف دون رقابة حقيقية، وفك تقييد كل الأيدي الراغبة في اتخاذ إجراءات تضمن قوة الليرة ومتانتها، وتحافظ على سعر صرف مناسب لها.

 خرجت 11 مليار دولار من سورية، ولن تعود قريباً، ومعها مليار دولار آخر أنفق على القضايا الاستهلاكية، وما زال المركزي يضخ القطع الأجنبي، بطريقته المثيرة للشفقة والتساؤل، ويحبس المضاربين، بينما أبواب تهريب العملة الأجنبية مفتوحة على مصاريعها، ولايمكن إغلاقها دون أن تطول حملات المركزي هذه رؤوساً كبيرة، امتلكت المال والجرأة والنفوذ لتهريب ثروة قيمتها 12 مليار دولار. ومن ثم يكون الجلوس إلى طاولة واحدة لبحث معضلة أسعار الصرف وتثبيته أمراً مستحيلاً. وبعد تهريب كل هذه الأموال، يصبح الحديث عن العودة لحقبة الثمانينيات المقيتة ترفاً،  وبلا جدوى، وينطبق عليها مقولة (يلي ضرب ضرب ويلي هرب هرب).

العدد 1104 - 24/4/2024