كيف نُربي أولادنا على لغة الحوار والمناقشة؟

منذ بداية الأزمة في سوريّة، والحكومة تُطالب بالحوار بين جميع الأطياف للخروج منها، وذلك لأنّه من أهم وسائل الاتصال الّتي تهدفُ إلى تقريب وجهات النّظر وتبادل الأفكار للتوصل إلى الإقناع الذي قد يؤدي إلى تعديل سلوك الفرد نحو الأفضل. وفي استطلاعٍ أجرته جريدة (النور) في الشّارع السّوري وصلت إلى الآراء الآتية:

بيّن السّيد حسام أنّ الحوار يُقلل من الصّراعات والمشاعر العدائية والمخاوف، إذ تكمن أهميته في أنه وسيلة بناء تُساعد في حلّ النّزاعات بشكلٍّ وديٍّ.

أمّا السّيدة رزان فقد أكدت أنّ الحوار ضروري، لأنّه يُعلّم الطّفل ضبط الذّات وأهمية احترام الآخر.

وتعقيباً على ذلك طرحت الآنسة نوال السّؤال الآتي: ما هو السّبيل إلى الحوار مع أشخاص لم يُربّوا منذ الطّفولة على فلسفة الحوار والمناقشة؟!

أمّا السّيد حامد فقد أوضحَ أنّ الحوار لن يكون مُجدياً إذا لم يُهيأ الأشخاص نفسياً وعقلياً، وكان المحاور مستعداً ومتدرباً بشكلٍّ جيّد لعرض فكرته بهدوء مع قوة في ضبط النّفس. إذ يجب أن يكون هناك موضوعية في طرح الأفكار وبأسلوبٍ لبق.

و أضافت السّيدة فيروز: أنّه من الضّروري مراعاة الحالة النّفسية والفئة العمرية والفروق الفردية، أثناء جلسات المناقشة مع الاقتناع بأنّ الاختلاف هو جزء من طبيعتنا البشرية.

وبيّنت عُلا، وهي طالبة في الصّفّ الثّامن، أنّ الاستماع الإيجابي، يشجع على استمرار الحوار، وهذا يتطلب تعلّم الصّبر والتّحرر من حالات الغضب والاندفاعية، وتربية الأطفال على الثّقة بإعطائهم الفرص للتعبير عن مشاعرهم وتنمية قدراتهم وذواتهم.

أمّا حسين وهو طفل بعمر 7 سنوات، فقد قال: كثيراً ما يحاول الكبار إبعادنا، نحن الصّغار عن مجالستهم والحديث معهم، ودائماً يطالبوننا بالصّمت، ويقولون لي (بعدك صغير بس تكبر بتعرف)، والسّؤال الّذي طرحه: متى سيكون مسموحاً لي مجالسة الكبار ومشاركتهم الحديث والمناقشة؟!

لقد أكد الاختصاصيون بالتّربية، أنّ شخصية الطّفل تُصقل ما بين سن الخامسة والثّامنة، وكل خلل في هذه المرحلة قد يولد مشاكل في المستقبل، لذلك من الضّروري أن يتعلّم لغة الحوار، مما سيساعده على الانخراط بالمجتمع بشكلٍّ إيجابي وفعّال. ولكي نعلّم أولادنا لُغة الحوار علينا البدء أولاً بالأسرة الّتي هي أصغر نواة في المجتمع، وذلك من خلال تعليمهم الأسلوب الصّحيح لتعامل الإخوة بعضهم مع بعض، والإصغاء الصّحيح للمتحدّث، ومتى يكون الوقت مناسباً ليشاركوا بالحديث. وعلينا أن نتذكّر دائماً، أنّه من الطّبيعي أن يقوم الطّفل ببعض التّصرفات المخجلة في بعض الأحيان. فيُنصح بالتّعامل معها بهدوء، بعيداً عن الغضب، الّذي لا يُجدي نفعاً. بالمقابل من الضّروري جداً احترام وجوده وتعزيز ثقته بنفسه أمام الضّيوف، وقد عبّر الطّفل حسين للجريدة عن رأيه فقال: أنا أُحبّ أن أشارك ماما وبابا الحديث، وأن أسرد القصّص الّتي حدثت معي في المدرسة، وأن أقوم بتقديم الضّيافة للضيوف.

كما أفادت أم كريم، وهي أُمّ لثلاثة أطفال: أنّه من الضّروري جداً تعليم الأطفال منذ الصّغر الأسلوب الصّحيح للسلام وآداب إلقاء التّحية، والسّماح لأولادنا بالمشاركة أثناء شراء الحاجيات من السّوق، وأن يستفسروا من البائع. كما أوضحت: من الضّروري اعتماد الأسلوب العلمي في التّفكير والّذي يتميّز بأنّه خطوات متسلسلة، إذ يصل التّلميذ إلى الحلّ أو الإجابة خطوة، خطوة، ولا يقفز إلى الحلّ مباشرةً، مما يفتح مجالاً للحديث والمناقشة لحل المشكلة.

وهنا يأتي دور رياض الأطفال والمدارس والمناهج التّعليمية الوطنية، الّتي اعتمدت بخطتها التّطويرية على أسلوب التّعلّم بالممارسة، وذلك لأن أولادنا هم أبناء الحياة. لذلك على المربين أن يخرجوا عن تلقين المادّة إلى ممارستها عملياً، سواء كانت الممارسة العملية للقيم والمبادئ، أو ممارسة المعارف والمهارات المختلفة بأسلوبٍ يناسب كلّ مرحلة عمرية، كما اعتمدت أسلوب التّعلّم من خلال المجموعات الصّغيرة الّتي تفسح المجال لكلّ تلميذ بالمشاركة وإبداء رأيه.

كما من واجب المربين أن يبحثوا عن أفضل الطّرق والوسائل لإيصال المادّة العلمية المراد تقديمها والّتي تُحفّز التّلاميذ داخل الصّفوف، وعليها إتباع خطوات الأسلوب العلمي في التّفكير، والّتي تتمثل بالآتي:

1. الشّعور بوجود المشكلة: ليس ضرورياً أن تكون المشكلة كبيرة، ولكنّها موقف غير مألوف، أو تساؤل يلح على عقل الطّفل، فيثير فيه الرّغبة في الوصول إلى النتيجة والحلّ. فمن المعروف أنّه عندما يواجه التّلميذ موقفاً يتحدّى قدراته ولا يعرفُ حلاًّ له، الأمر الّذي يدفعه إلى التّفكير حتّى يعثر على الإجابة. وقد اعتمدت الخطّة التّطويرية لمناهجنا التّعليمية على أسلوب حلّ المشكلات، إذ تُقدم المعلومة على شكل مشكلة مناسبة، وعلى الأطفال التّحاور بعضهم مع بعض للوصول إلى الحلّ المناسب مما يؤدي إلى إكسابهم العديد من المعلومات والمهارات المتعلّقة بآداب الحوار والحديث.

2. تحديد المشكلة: إنّ وجود المشكلة يعني الغموض، ومن المعروف أنّ العقل البشري ينشط عندما يواجه مشكلة ويعمل مستفيداً من خبراته القديمة لكي يُدرك العلاقة بين عناصرها للوصول إلى الحلّ المناسب.

لذلك على المربين أن يتدربوا على الأسلوب الصّحيح لطرح الأسئلة التّي يمكن تلخيصها بالآتي:

أ. أسئلة التّحفيز: وهي تُشبه التّمارين الّتي يقوم بها الرّياضيّ قبل البدء بالمباراة.

ب. الأسئلة الاستكشافية: إذ تستدرج المعلّمة التّلاميذ لاستكشاف المعلومات بأنفسهم، مع القليل من التّوعية من قبل المعلّمة نفسها.

ج. الأسئلة الإبداعية: التّي تسهم في تنمية التّفكير الابتكاري مثل: ماذا تفعل إذا جُرح صديقك، وأنتم في رحلة استكشافية؟

د. أسئلة توضيح المشاعر: وهي تكشف مشاعر الأطفال من ناحية الميول والقيم والاتجاهات، وتدخل ضمن تحقيق الهدف الوجداني الاجتماعي. مثلاً: ما رأيك بالّذي حدثَ؟ أيّهما تُفضل؟ لماذا قمت بهذا التّصرف؟ برأيك ما الّذي يحدث لو استمر هذا السّلوك؟

ومنه على المربين أن يتدّربوا على الأسلوب الصّحيح لطرح الأسئلة، فهناك معلمون يوظفون الأسئلة من أجل تسميع بعض المعلومات للتلاميذ، وهؤلاء مربون لا يتقنون مهارة طرح الأسئلة. وهناك معلمون يطرحون أسئلة جوابها (نعم) أو (لا)، وهذا النّوع من الأسئلة خالية من أيّ تحفيز. كما نجد فئة أخرى من المعلمين يطرحون أسئلة على التّلاميذ توحي لهم بالإجابة الجماعية، وهناك فئة تتصف أسئلتهم بعدم تحديد ما هو مطلوب، مثل: تحدّث عن الحواس الخمس. وثمة معلمون أسئلتهم تُشبه المحارب القوي الّذي يهاجم المحارب الأضعف منه فيصرعه بالضّربة القاضية من أوّل جولة، إذ تكون الأسئلة أعلى من المستوى العقلي للطفل.

ولكي نتمكن من زرع بذرة الحوار في أولادنا على المربين والأهل اعتماد أسلوب الفيلسوف سقراط الّذي كان يحاور تلاميذه في الشّوارع والميادين، وقد كان شعاره: (لا تتوقف عن السّؤال).

إذاً لكي تتمكن الشّعوب من التّحاور بعضها مع بعض عليها البدء بالطّفل وتربيته على مهارة التّواصل والانفتاح على الآخر، وتشجيعه على اتخاذ قراراته وإبداء رأيه.

العدد 1105 - 01/5/2024