الوضع المعيشي للمواطن ضمن ندوة في نقابات العمال

انتقادات لأداء «المركزي».. ومطالبة بمحاسبة المسؤولين

تحت عنوان (الوضع المعيشي للمواطن وتحديات الأزمة) أقامت أمانة الشؤون الاقتصادية للاتحاد العام لنقابات العمال في سورية ندوة حوارية، للوقوف على أسباب تراجع الوضع المعيشي للمواطن الذي يدفع ثمن التجارب الحكومية في حقل الاقتصاد، خاصة مع ازدياد معاناة الفقراء وذوي الدخل المنخفض والمحدود بسبب السياسات الاقتصادية، إضافة إلى أسباب تداعيات انخفاض سعر صرف الليرة السورية وإجراءات المصرف المركزي، وتطرقت أيضاً لأثر التضخم وارتفاع الأسعار على القدرة الشرائية للمواطن في ضوء الحصار والعقوبات الاقتصادية والتحديات التي يواجهها الاقتصاد والمجتمع السوري في ظل الأزمة.

افتتح الندوة عزت الكنج نائب رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال بمجموعة من التساؤلات قائلاً: هل كانت السياسات الاقتصادية التي سادت سنوات ما قبل الأزمة تؤسس لبناء اقتصاد مقاوم يتماشى مع القرار السياسي لسورية ونهجها المشرف في دعم المقاومة؟ ألا يقتضي منا نحن العمال والطبقات الكادحة الأخرى، أن نطالب بقطع كل شيء مع هذه السياسات التي لم تكن منحازة للفقراء والأقل دخلاً؟

تناول المحور الأول من الندوة (السياسات الاقتصادية والوضع المعيشي للمواطن) وتساءل فيه الباحث الاقتصادي د. منير الحمش عن الأسباب التي جعلت بالإمكان استخدام الوضع المعيشي للمواطن سلاحاً جباراً في أيدي القوى المعادية. وقال عضو جمعية العلوم الاقتصادية: (لو أن حكومات ما قبل الأحداث لم تأخذ بنصائح وتوصيات المؤسسات الدولية والاتحاد الأوربي وبعض رجالات الأعمال الكبار وتحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد السوق، ولو أنها لم تقم بفتح باب الاستيراد على مصراعيه، فتغرق البلاد بالبضائع الأجنبية مما أدى إلى إغلاق مئات الورش والمعامل الوطنية)، الأمر الذي ساهم في استيلاء فئة محدودة من المحظوظين على مفاصل الاقتصاد الوطني، وفي نفس الوقت قلصت دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي لصالح الرأسمالية الجشعة المرتبطة بدورة الرأسمال العالمي والشركات المتعددة الجنسيات، فكان للسياسات الاقتصادية الليبرالية أبعاداً أخرى غير اقتصادية تتعلق بالسياسة والمجتمع والعقائد والقيم الأخلاقية، مؤكداً أن السياسات الاقتصادية هي المعبر والسلاح الأمضى لإنجاح المؤامرات.

وعن طرق المعالجة، بيّن الحمش أنها تتم على مرحلتين: الأولى إسعافية للوضع الراهن بواسطة إدارة الأزمة باعتبار أن الوضع المعيشي للمواطن من أهم تداعيات الأزمة من جهة، ومن أهم عوامل الخروج منها من جهة ثانية، تركيز الجهود لمواجهة متطلبات السكان الذين اضطروا إلى مغادرة منازلهم.

وأكد ضرورة العودة إلى دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والاعتماد على مؤسسات القطاع العام لتأمين المواد الأساسية، واستخدام احتياطات القطع الأجنبي بشكل عقلاني وتخصيصها للاحتياجات الحياتية، وإيجاد التنسيق الفعال بين السياستين النقدية والمالية، وإيجاد الموارد المالية لخزينة الدولة واستخدام الضرائب.

أما المرحلة الثانية وهي مرحلة ما بعد الأزمة فتحتاج إلى اعتماد سياسات اقتصادية واجتماعية تتناسب مع احتياجات النهوض ومعالجة آثار الأزمة، والعمل على إعادة الاعتبار لدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي والمسار التنموي جنباً إلى جنب مع إعادة إعمار البنى التحتية.

الليرة والمركزي

تناول الدكتور في كلية الاقتصاد عابد فضلية في المحور الثاني: انخفاض سعر صرف الليرة السورية وإجراءات مصرف سورية المركزي، وعزاها لأسباب عديدة منها: تراجع القدرة الاقتصادية والإنتاجية للقطر، إضافة إلى التراجع الشديد في إيرادات القطع الأجنبي من قطاع السياحة والتصدير، بسبب تقلص وتوقف الاستثمار الأجنبي المباشر، وتراجع تحويلات السوريين في الخارج. ومع شدة الطلب على القطع الأجنبي بغية حماية المدخرات والاكتناز أو لغاية نقل جزء من الأنشطة الاستثمارية إلى الخارج أو لتغطية تكاليف العيش المؤقت بالخارج وشدة الطلب على القطع الأجنبي لغايات المضاربة أو لغايات التهريب.

وفيما يتعلق بإجراءات المركزي لدعم قيمة الليرة لفت إلى بعض مواطن الخلل في الآلية والأقنية والطريقة التي تدخل ويتدخل بها لعدم وجود سياسة نقدية كلية واضحة وشاملة ومتماسكة، وانحصارها بإجراءات وتعاميم. والاعتماد في التدخل على شركات الصرافة، مع إهمال دور المصارف العاملة وبيع القطع وفق آلية (البيع بالمزاد العلني)، إضافة إلى اعتماده سياسة تعويم غير معلنة لسعر القطع.

كما نبه إلى أن نظرة المركزي إلى الليرة السورية وإلى العوامل التي تسهم في تحديد قيمتها وقوتها تتسم بنظرة نقدية أحادية الجانب غير متوازنة تغيب عنها العوامل الاقتصادية، بحيث يرى (المركزي) أن إعادة التوازن إلى قيمة الليرة مجرد مسألة أو إجراءات نقدية فقط، كما أنها تفتقد إلى الرؤى الاقتصادية الكلية والجزئية التي لها صلة بالمسألة الإنتاجية السلعية.

تضخم.. وانفلات الأسعار

أما الدكتور في كلية الاقتصاد رسلان خضور فقد عزا التضخم إلى أسباب اقتصادية، منها ارتفاع التكلفة، وتراجع العرض وفائض الطلب والعرض النقدي وانخفاض سعر صرف الليرة. وأسباب غير اقتصادية تتركز في تخريب البنى التحتية والمؤسسات الإنتاجية وطبيعة السوق غير التنافسية وانخفاض فعالية وكفاءة الأجهزة الرقابية وقوانين منع الاحتكار ومديريات وجمعيات حماية المستهلك. فضلاً عن وجود أسباب غير اقتصادية أخرى، منها ما هو متعلق بتدمير البنية التحتية والمؤسسات الإنتاجية العامة والخاصة من فرق الإرهاب المسلحة وسطوة الاحتكارات والسوق غير التنافسية وانخفاض كفاءة وفعالية الأجهزة الرقابية وقوانين منع الاحتكار ومديريات حماية المستهلك وجمعيات حماية المستهلك. يضاف إلى ذلك أسباب خارجية تتعلق بالعقوبات الاقتصادية والحصار وارتفاع أسعار بعض المنتجات في السوق العالمية.

وسلط خضور الضوء على تداعيات التضخم وارتفاع الأسعار، لافتاً إلى أنها تعود إلى انخفاض القدرة الشرائية للمواطن نتيجة ذلك، وهو ما فاقم معدلات الفقر بأشكاله المختلفة. فقد كانت نسبة الفقراء في سورية قبل عام الأزمة بحدود  5,11% عند خط الفقر الأدنى وبحدود 33% عند خط الفقر الأعلى. وحسب تقديرات أولية ازدادت أعداد الفقراء في عامَيْ الأزمة إلى أكثر من 40%. وبالتالي فإن ما يجري ليس مجرد عملية تضخم وارتفاع أسعار باعتبار أن التضخم هو بالنتيجة عملية إعادة توزيع للدخول والثروات لمصلحة الأغنياء ولمصلحة المدينين والمضاربين وأصحاب الأرباح على حساب الدائنين وأصحاب الدخول الثابتة. بل هي عملية تجريف ممنهج للدخول والثروات لمصلحة الأغنياء ولمصلحة أصحاب الريوع وأمراء الحرب وتجار الحروب والأزمات على حساب المنتجين والشرائح المتوسطة والمنخفضة الدخل والفقراء.

وتركزت مداخلات الحضور حول الأوضاع الاقتصادية المتردية، مطالبين بعدم فصل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عن الوضع العسكري والأمني. وتساءل الكثيرون: إذا كان السبب فيما نعانيه هو سياسات الفريق السابق فلماذا لم تجر محاسبة المتسببين ومساءلتهم حتى اليوم؟ مشيرين إلى استمرار تلك السياسات في بعض من مفاصل الدولة ومؤسساتها.

يذكر أن الندوة أقيمت في مبنى الاتحاد بدمشق يوم الأربعاء 24 تموز ،2013 بحضور أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام لنقابات العمال، والأمين العام للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب، ورؤساء وأعضاء الاتحادات المهنية ونقابات عمال دمشق وعدد من الباحثين الاقتصاديين.

العدد 1105 - 01/5/2024