بالعين المجردة…خطوط حمراء باهتة

بالعين المجردة نرى القضايا الصغيرة، نتحسس اليومي والعابر، تاركين القضايا الكبرى لأصحابها من (مسقفي) العيار الثقيل، وللقيمين على شؤون البلاد والعباد.

ولأن (الصغيرات تصنع الكبيرات) سيكون بحثنا عن هذه الصغيرات جدولاً يصب في النهر الكبير المفضي إلى مصب هو غالباً بحرٌ وحيتان وأمواج عاصفة..

 

أخيراً… وصل البلُّ إلى ذقون (شرِّيبة) المتة في هذا البلد الأمين، فعلها المتآمرون والعملاء، وصل بهم الأمر إلى الاعتداء على متة الشعب، وهي خط أحمر قانٍ في زمن الخطوط الحمر الواهية بل الكاذبة هنا وهناك.

بدأ الأمر بإشاعةٍ تلقفتها صفحات من لون واحد، وصدقها دون تردد جمهور هذه الصفحات، بأن المتة قد تم خلطها بمادة الزرنيخ القاتلة، والهدف طبعاً هم شرِّيبة المتة.

كان يفترض أن تكسد المادة بعد الذعر الذي دب في أوساط الجماهير الغفيرة، هكذا يقول منطق السوق الليبرالي وغير الليبرالي، لكن ما حصل في سورية هو العكس، وهذه إحدى وجوه المعجزة السورية، إذ انقطعت المتة من الأسواق، وزادت دلالاً على دلال، وتجاوز معدل ارتفاع سعرها معدل ارتفاع الدولار، الذي وصل إلى أكثر من 300% من سعره قبل بدء الأزمة التي مضى عليها عامان ونيف.. وما زال المسؤولون الماليون يقولون إن الليرة بخير وقوية وتقهر المستحيل.

ثم انتهى بأن وصل سعر علبة المتة إلى 225 ليرة في بعض المناطق، في حين كانت تتراوح بين 25 و35 ليرة قبل بدء الأزمة الوطنية الكبرى. لقد اجتمعت الدول العظمى والمجهرية، والحركات والأحزاب، ووحدت جهودها لتجعل كأس المتة حلماً بعيد المنال، وليتعوّد السوريون أن يعيشوا بلا متة، وهي عند كثير منهم كالقات بالنسبة لإخوتنا في اليمن السعيد.

هؤلاء العلوج يريدون سورية وطناً بلا متة، لكن هيهات، نحن شرِّيبة المتة نعلن على الملأ أننا لن نحيد عنها، ففي سبيلها نتحمل الجوع والحرمان ولا نستسلم، وهأنذا الآن أقوم بإعداد إبريق متة لأرتشف مشروبي المفضل نكاية بالعلوج وكل من تسول له نفسه الاعتداء على متة المواطن.

 

وقفز سعر أسطوانة الغاز بضربة واحدة إلى ألف ليرة، وصارت تعبئة الغاز الصغير (السفري) المرافق عند موزعي الغاز للمتة ب800 ليرة…

عندئذ لجأ الشعب العنيد إلى الكهرباء، ووفر الغاز للأيام الصعبة، لكنه لا يتخلى عن (متته) بكل الظروف.

ويتناقل أصحاب النوايا السيئة الذين لا يرون إلا النصف الفارغ من الكأس إشاعات عن نية الحكومة رفع الدعم عن الحاجات الأساسية للمواطن، مقابل اقتراح بزيادة الرواتب،  وما رفع سعر الغاز إلا بالون اختبار ستليه الصواريخ البالستية العابرة لأحلام المواطن السوري باستمراره البيولوجي في الحياة بأدنى الحالات، وخاصة حين الاقتراب من الخبز، وما تبقى من المواد المقننة (البونات)، وبهذا تصبح الحكومة في حل من أي عبء، وليدبر المواطن رأسه كما يليق بمجتمع رأسمالي مشوه ومغبون ومدمن للصمت والمتة.

وبخصوص ما ردده البعض عن أن لقمة المواطن خط أحمر، يورد هؤلاء النمامون أن الألوان غالباً ما تبهت بمرور الزمن، حتى يكاد الأحمر القاني يصبح أصفر أو برتقالياً، حسب (الخلطة اللونية) ودرجة الحرارة والرطوبة واتجاه الريح أيضاً.

أخيراً وليس آخراً، نحن على ثقة بأن الشعب قد حسم أمره واتخذ قراره بالصمود والاستمرار في شرب المتة، مهما غلت التضحيات.. وسيرى الذين (زرنخوا) المتة أي منقلب ينقلبون!

العدد 1104 - 24/4/2024