حوار مع جهاديّ..!

أكثر من قرن، يفصلك عن إنسان تشعر للحظات أنه قادم من كوكب آخر.. ولكنه ينطق ويتكلم، ربما كالإنسان الآلي الممسوح دماغه وخلايا تكفيره، لكنه مبرمج على أقوال ومعتقدات يظن أنه لا يوجد سواها في هذا الكون، وكل ما عداها يستحق أن يباد، دون رحمة.

الدخول في عوالم أناس من هذا النوع، الذين امتطوا صهوة نظراتهم هذه، وقطعوا الألوف من الكيلومترات، من أربع أركان الأرض، وجاءوا بها إلى هنا، أرض الجهاد التي حلموا بها، وبعضهم الآخر أبناء البلد الذين لم يعودوا يرون من وطنهم إلا (الكافر) الذي يجب أن يرحل الآن إلى عوالم جهنم، أو (المؤمن) الذين حُجز له مكانه في عالم الجنان وأنهر العسل والحواري العين.

نقول إن الدخول في عالم هؤلاء أمر مثير، ويستحق سكان الأرض أن يتعرفوا إلى سكان الكواكب الأخرى، من هنا جاء هذا الحوار الذي جرى مصادفة مع واحد من هؤلاء.

كلمة أولى

لا نقصد من هذا الحوار الإساءة إلى أحد، جلّ اهتمامنا أن نسلط الضوء، على هذه العقلية الإقصائية الطائفية.. التي تتخذ من الدين ستاراً، فهي عقلية ماضوية، تحن إلى الماضي، وهي دائمة التذكير به، لا تستطيع العيش في مدنية الدولة، فهي ترفض الدولة والانتماء إليها، تكره النور والعلم، حتى إن بعضهم استجلب الخيول ليعيش الحالة الوجدانية، لكن بيده بندقية، بدلاً من السيف، يستحضرون آلاف السنين.. ويركّبونها كما يحلو لهم على الواقع.. أيضاً في حوارنا هذا لا ندافع عن النظام.. فالنظام اعتمد القسوة، ونحن رفضنا هذا الحل منذ البداية.. وطالبنا بالإفراج عن معتقلي الرأي وإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، واعتماد الحل السياسي والحوار الوطني أساساً لحل الأزمة السورية.

رعب.. خوف.. فوضى.. تعديات

تمشي في شوارع مدن الغوطة وقراها، تجد ما يدهش.. سيارات من كل الأنواع عليها أعلام مختلفة بلا نمرة، تتبع جهات ومجموعات مختلفة.. يتحدث إليك المواطن بحنين الأيام الخوالي.. لكن بخوف من مجموعات التأديب.. يشعر أن الدولة تركته لمصيره.. لا يجد الرغيف.. دراجات نارية يمتطيها شبّان مسلحون يتبخترون.. تستشعر أنك في تورا بورا.. ملصقات من كل الأنواع.. تكفّر بعضها بعضاً.. في ظل أوضاع كهذه أجرينا  حواراً مع أحد الشبان (سنة ثالثة اقتصاد وتجارة)، وقد علمنا أنه قتل فيما بعد.

بدأنا حواراً بحديث الرسول (ص) (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، والآية الكريمة (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) سورة الزمر- 39.

* صباح الخير!

* صباح الخير مرة أخرى لماذا لم ترد؟

** لا تقل صباح الخير.. بل قل السلام عليكم.. فأجيبك.

* السلام عليكم.. لكن ما الضرر في صباح الخير؟

** كلمة مستوردة.. لا تدخل في قيمنا وديننا وعاداتنا.

* هل يدخل القتل وإيذاء الناس في قيمنا وديننا الحنيف.. أليس الإضرار بالناس إشراكاً بالله؟!

** نحن لا نقتل، لكن ندافع عن ديننا الذي يتعرض للتخريب.. وتشييع الناس.

* لكن الحديث الشريف (لهدم الكعبة حجراً حجراً، أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم). وعن عبد الله بن عمر قال: رأيت رسول الله يطوف بالكعبة ويقول: (ما أطيبك وأطيب ريحك! ما أعظمك وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرق المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه، وأن نظن به إلا خيراً) ألم تتلوث أيديكم بدم مسلم بريء؟

** هؤلاء مشركون وكفار وانحرفوا عن دين الله.

* من الذي يحدد أن ذلك مؤمن وهذا كافر؟

** نحن نسعى لإقامة دولة الخلافة، نستمد أفكارنا من القرآن الكريم.. كل من يعارضنا في إقامة دين الله على الأرض هو مشرك، كل الأحزاب العلمانية والقومية هي كذلك. أما بالنسبة للذميين، فهم يعاملون على شرع الله في الدولة المقبلة.

* لكن الحديث الشريف يقول: (من آذى ذمياً، فقد آذاني، ومن آذاني كنت خصمه يوم القيامة) رواه ابن مسعود.

** نحن لا نريد إيذاءهم.. لكن نريد تطبيق شرع الله على الأرض.

* لكن الآية الكريمة تقول: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)- سورة الجمرات 49

** لكن نزول الإسلام جبّ ما قبله، وعلى الجميع الرضوخ لخاتم الأديان.

* الرسول الكريم خاطبه ربنا: (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك، فاعفُ عنهم، واستغفر لهم وشاورهم في الأمر، فإن عزمت فتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين)- آل عمران 159.

أنتم قتلتم لمجرد الشبهة.. لم يسلم عامل النظافة، أو آذن المدرسة.. كثير من الناس قُتلوا ومثّل بجثثهم.. ورموا في أقنية الصرف الصحي، وبعضهم أكلت جثثهم الكلاب. وأنتم قاتلتم الجيش في المناطق المأهولة.. فرد الجيش عليكم.. وأنتم تعرفون ذلك.. واستتبع ذلك مقتل الكثير من الأبرياء..

** نحن لم نقتل أحداً.. هذه ثورة على الظلم.. نحن أقمنا الحدود عبر المجالس الشرعية. مَنْ قُتل من المدنيين بسبب وجودنا في المدن، تكفّل الله به، إن كانت أعماله حسنة فله الأجر والثواب عند الله.. ومن كان مذنباً خلال حياته.. تكفل الله به جزاء معصيته..

* ومن أدراك بأن هذا العاصي لله سيتوب بعد ذلك؟!

** الأعمار مقدرة.. من لم يمت بسبب القصف أو القتال فسيموت بشيء آخر لأن عمره انتهى.

* لكن (ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة) (البقرة 195).

** أنت تخلط الكثير من الأمور، وتقتطع من الآيات ما يحلو لك، ويدعم فكرتك!

* مجمل حديثي يتطرق إلى أن الدين الإسلامي وسطي، ولا يقبل العنف والآية الكريمة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك، ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً)- الإسراء ،29 وهذا ينسحب على مجمل الحياة العامة للناس. وكما قال علي بن أبي طالب (خاطبوا الناس على قدر عقولهم). هذا يفسر أن أسلوباً واحداً في الخطاب ليس هو الأسلوب المناسب وهذا يدعو إلى التحاور والنقاش مع مجمل الأطياف والأعراق في سورية لنصل إلى مشتركات بين جميع مكونات المجتمع السوري.

** كلامك يؤدي إلى ديمقراطية وانتخابات، نحن لا نؤمن بكل هذه المهزلة المستوردة.

* لكن كيف ستتعايشون مع مكونات المجتمع السوري الموجود أصلاً، قبل الفتح الإسلامي لبلاد الشام، فمدينة دمشق عمرها سبعة آلاف عام وهي قبل جميع الأديان.

** نقيم حدود الله..

* وهل حدود الله.. تعني إلغاء الفسيفساء السورية للمجتمع الممتد لآلاف السنين وفرض نموذجكم الخاص الذي ترفضه حتى مجموعات إسلامية أخرى؟!

** قلت لك.. لا نريد إلغاء الآخرين، نحن نطبق شرع الله مع الآخرين وفق تعاليم القرآن الكريم..

* لماذا تحمل السلاح ومن ستقاتل؟!

** لأدافع عن نفسي وأهلي وديني، وضد هذا النظام الفاسد، وشبيحته.

* إذا أردنا إصلاح المجتمع، فهل السلاح والقتل هو الأسلوب المناسب؟

** لقد ظُلمنا كثيراً.

* لكن التغيير عبر العلم والتعلم، وقيم المجتمع المدني، وليس عبر القتل والجهل وزرع الفكر الطائفي والإقصائي، إن غالبية المجتمع السوري لا تحبذ العنف وهي تتعايش منذ آلاف السنين.

** حان وقت العمل والجهاد الآن، الآن الله أمرنا بذلك، ونحن ننفذ تعاليمه.

* لم تأخذ موافقة والديك عند ذهابك إلى الجهاد.. لماذا؟

** لا داعي لذلك.. فتوى العديد من الأئمة أمرتنا بالجهاد، حتى دون موافقة الأهل.. ونحن بذلك لا نخالف الشريعة.. من سيحمي الدين إذاً؟!

* طيب، الفتاوى لا تأمركم بمحاربة إسرائيل.. أم أنكم لم تجدوا مكانها في خريطة العالم وتريدون دخول الجنة عبر بوابة الجهاد في سورية؟

** تنظيف البيت الداخلي أهم وأكثر ضرورة.

* ما شاء الله.. تنظّرون على الناس وتلغون مدنية المجتمع.. لماذا لم تستشيروا الناس في أفكاركم؟! ألم يخاطب الله رسوله (وشاورهم في الأمر)؟!

** الجهاد فرض عين.. الله أمرنا بذلك، ولا حاجة لمشورة الكافرين.

* كيف ستسيّرون الدولة ومفاصلها.. الحياة الاقتصادية.. التجارب مريرة في أفغانستان والباكستان والصومال.

** كل شيء محسوب ومدروس.. بحسب الشريعة.

* لكن الناس خرجوا من أجل حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية، لا من أجل الجهاد والعنف الطائفي وزرع بذور الكراهية بين الطوائف المختلفة.

** نحن وقفنا ضد النظام الطائفي الفاسد.. وضد الروافض وحزب اللات الذين يريدون تشييع المجتمع.

* لم تجب على سؤالي.. الناس خرجوا للشارع ليس من أجل (سنة- شيعة).

** نحن صححنا وجهة الحراك الشعبي.. أنتم أردتموها علمانية، والعلمانية كفر وإلحاد.

* أنا لا أنكر بأن سجل حقوق الإنسان في سورية مرير.. لكن الصدام المسلح يؤدي إلى كوارث لا تحمد عقباها.. وهذا ما حدث في الواقع.

** لم نكن البادئين في ذلك.. النظام جرّنا إلى ذلك.

* لكن أين عقولكم في ذلك؟ إذاً أنتم مررتم في هذه الحالة رغبة النظام.. وهذا يتناقض مع كلامكم عن أن الجهاد فرض عين، ثم تتحدث عن أن النظام قد أوقعكم في حبائله..

** الأمور تطورت إلى ذلك الحجم.. ولم نكن نرغب في ذلك.

* لا يمكن نقل ظروف أيام الرسول (ص) إلى ظروفنا الحالية.. ألم يقل محمد (ص): (اسألوني عن أمور دينكم فأجيبكم، أما أمور دنياكم فأنتم أدرى بها مني) بمعنى آخر، فكركم يصطدم بالواقع، ولا يمكن تطبيقه بسبب غربته عن طبيعة المجتمع.

** أنتم الغرباء عن الناس، همكم الماء والكهرباء وحشو البطن.. آما الآخرة هي آخر اهتماماتكم.. هذه الحضارة زائفة نحن لا نريدها.. لماذا هذه الأبنية؟ فلتدمر! ما الفائدة منها؟

* لماذا هاجمتم مؤسسات الدولة ومعامل القطاع الخاص وسرقتموها.. الآن تبيعون الكهرباء بأسعار خيالية.. ولا تستطيعون القيام بمهام الدولة.. ألم تسرقوا المشفى.. والمدارس.. الكهرباء؟! ألم تسرقوا مراكز الأعلاف في الشيفونية؟ ماذا قدمتم غير الرعب والخوف؟!

** مؤسسات الدولة هي غنائم حرب، ومعامل القطاع الخاص.. أصحابها تركوها!

* بيوت الناس من سرقها؟ وقد فتحها وأسكن أناساً آخرين؟ ومزارع الناس من نهبها؟ هل هي أيضاً غنائم حرب؟ هل يحق لكم ذلك؟

** نعم، يحق لنا.. أناس تشردوا أين نأويهم؟

* لكن لم تأخذوا إذن أصحابها.. ممتلكات الدولة لماذا لم تحافظوا عليها؟ أليست ملكية الشعب، لا ملك النظام؟

** لا.. نحن صادرناها حتى نؤمن للناس حاجاتهم، بقدر ما نستطيع.. هذا النظام ظالم.. وكل ما يمت إليه فهو حلال لنا حرام عليه.

* لكن الدولة وخدماتها للمواطن شيء والنظام شيء آخر.. من الذي أباح فك رافعة برجية لمشفى البرج الطبي وبيعها خردة.. هل هي ملكية للنظام؟!

** الدولة معجونة بالنظام.. وهذه ثورة ولا نستطيع ضبط كل شيء.. هناك أخطاء. عندما يسقط النظام.. نتفرغ للأمور الأخرى، الآن الجهاد له الأولية.

* أفهم بأنكم لستم مع الحوار.

** حوار ماذا.. مع القتلة؟! الكلام الآن للرصاص.. للخنادق، لا للفنادق.. نحن لا نعترف بالائتلاف ولا بالمعارضة الداخلية والخارجية.

* لكن الآية الكريمة (ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة، اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار) سورة إبراهيم 24-26.

أليس هذا الحكم الفصل؟! وجادلهم بالتي هي أحسن!

** تقتطع ما يحلو لك.. لكنك نسيت (واقتلوهم حيث ثقفتموهم)!

* لكن التفسير هنا خص حرمة المسجد الحرام.. أي حفظ حرمة المسجد الحرام التي جعلها الله له بقوله (مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً) وجعلت غاية النهي بقوله تعالى (حتى يقاتلوكم فيه، فإن قاتلوكم فاقتلوهم).

** قلت لك.. الجهاد فرض عين.. في كل مكان يتعرض فيه المسلمون للإبادة.

* إلا في فلسطين.. لماذا لا تذهبون، هناك بيت المقدس؟!

** سنذهب إلى كل مكان نستطيع الوصول إليه.

* لنفترض أنك ولدت في محافظة أخرى غالبية سكانها من إحدى الطوائف المعينة، هل كنت بمثل هذا التفكير؟ وبما أن اللباس الخارجي مختلف.. ألم تكن عائلتك تلبس الدارج في منطقتك؟ أليس الإنسان ابن بيئته؟ هل الإنسان مسؤول عمن هما أبواه.. وقوميته ولونه وبلده؟ جميعنا عيال الله.. وأنفعكم من نفع عياله وأهله.. ساعتئذ، ألن تكون من المعارضين لأفكار من تتفوه بلسانهم حالياً.. قال تعالى: (لا إكراه في الدين)- البقرة 256.

وقال تعالى: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). ثم لماذا لا نبني جنة على الأرض معاً؟ كلنا عيال الله.. هل هذا مخالف للشريعة؟!

** (صمت.. صمت.. ثم تفوه بكلمة: يكفي!).

خاتمة

حقيقة.. من حمل السلاح هم أنواع مختلفة:

1- أشخاص عاديون حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم، اعترفوا بخطئهم ورجعوا إلى حضن الدولة، وسلموا سلاحهم.

2- أشخاص تأذوا من الممارسات الأمنية والتجاوزات، ثم رجعوا إلى عقولهم.

3- عصابات سرقة وتشليح، وفي ظروف كهذه يكثر نشاطهم ولا يوجد من يحاسب.

4- السلفيون والوهابيون والجهاديون من كل أصقاع الدنيا، وهؤلاء أتوا بقناعات دينية.

5-  في الختام.. في ظل الموازييك السوري.. لا حل في سورية إلا عبر إقامة دولة مدنية ديمقراطية علمانية.. تكفل حقوق الجميع تحت سقف الوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024