المقاومة الشعبية في السويداء والحل السياسي الوطني

مرّت أربع سنوات من المعارك القتالية في هذه الحرب القذرة التي تطحن رحاها مقدرات بلادنا وبُناها، ولم تترك فيها منطقة آمنة، ولا يوجد حتى الآن ضوء في نهاية هذا النفق المظلم، ولا تزال الأخطار تتفاقم. فالقوى الإمبريالية والصهيونية، والرجعية العربية، المتواطئة مع القوى الظلامية الإرهابية، تجتهد بكل قواها لاستنزاف طاقات شعبنا، ولتهديم الدولة السورية، وتشتيت قواها في مواجهة مخططات الهيمنة على المنطقة، ولطعن طموحات شعبنا إلى التحرر والتقدم والعدالة الاجتماعية، ولجعل مستقبله مرتهناً بأيديها.

إن اتساع جبهات الاشتباك وتعددها على كامل مساحة الوطن، وما يسفر عنها من ضحايا ودمار وتهجير، ومعاناة قاسية لأبناء شعبنا في عيشهم، وأمنهم، وإنتاجهم، تقتضي من كل قطاعات شعبنا ومكوناته وقواه الوطنية الفاعلة تحمّل مسؤولياتها الوطنية من خلال وقفة مراجعة نقدية شجاعة وعقلانية، واستخلاص الدروس والمهام، واتخاذ المبادرات لإيقاف سفك الدماء، وإنقاذ الوطن، وصيانة سيادته ووحدته، وصولاً إلى برنامج حل سياسي وطني إنقاذي، تلتف حوله، وتحتشد في سبيله، أكثريةُ قوى شعبنا الخيرة المتضررة والمدمّاة من استمرار هذه الأزمة.

إن الخطوة الأساسية لمثل هذا البرنامج غدت تتداولها كل القوى المتنورة في بياناتها وأحاديثها اليومية، ومنها:

– وحدة البلاد أرضاً وشعباً ومؤسسات، وصيانة استقلالها وسيادتها، وتحرير المحتل من أرضها.

– بناء دولة وطنية، عصرية، ديمقراطية، تعددية، علمانية، تحتضن كل مكونات نسيجها الاجتماعي التاريخي دون تمييز، وقائمة على احترام أسس الحريات العامة وصونها، وسيادة القانون، والمواطنة الكاملة، والمساواة، ورفض الاستبداد والإرهاب، وإخراج كل المسلحين الأجانب.

– الانفتاح على الحوار بين مختلف القوى الوطنية، وعقد مؤتمر وطني شامل لكل القوى السياسيةـ والاجتماعية، يرسم خطوط السياسات المستقبلية في إعادة الإعمار وإعادة المهجرين إلى بيوتهم، ومتابعة أعمال التنمية المرتبطة بالعدالة الاجتماعية وتأمين المستوى اللائق بمعيشة المواطنين، وتحقيق المشاركة الفعلية في إدارة البلاد على أسس دستورية، دون إقصاء أو تهميش أو تفرّد، ووفق انتخابات حرة ديمقراطية.

– محاربة الفساد المنتشر محاربة جديّة، ومحاسبة الفاسدين والمحتكرين والناهبين للثروات العامة بكل الحزم وفي مختلف المستويات، واستعادة الأموال المنهوبة لخزينة الدولة، وتجريم كل أعمال الخطف والابتزاز والتجاوز على الممتلكات العامة والخاصة، وفضح القوى المستغلة لظروف الأزمة.

– التمسك بالثوابت الوطنية الموحّدة، ورفض كل أشكال التبعية والاستقواء بالقوى الخارجية المعادية لحقوقنا الوطنية والقومية. ورفض كل أشكال الصراعات الإثنية والدينية، والطائفية المقيتة، ومحاسبة دعاتها والمحرضين عليها. وصيانة أمن المواطنين المسالمين وردع كل اعتداء على بيوتهم وحرماتهم وممتلكاتهم من أي جهة كان الاعتداء.

لقد نشط الإرهاب في محيط جبل العرب في الفترة الأخيرة، وكثرت التهديدات والتعديات على مواطنيه، من القوى المحتشدة والمنتشرة في محيطه، وتوترت الأجواء، فقد تحركت داعش شرقه، والنصرة والفصائل المسلحة الأخرى غربه، ومن الحدود المفتوحة مع الأردن جنوباً. ويواكب ذلك نشاط إعلامي واسع تحريضيّ قذر.

ولما جرت سيطرة المسلحين على مقر اللواء 52 على الحدود الغربية للمحافظة، واندفاعهم شرقاً نحو مطار الثعلة في أراضي المحافظة، اندفع الرجال دون تردد للدفاع عن حياض الجبل. ولأبناء الجبل تاريخ عريق يعتزون به في مقاتلة المعتدين من كل صنف ولون هدّد يوماً ديارهم، أو هدّد وطنهم بشكل عام. فالدفاع عن الوطن وأرضه هو دفاع مشروع عن النفس والعرض والكرامة، ولا مجال فيه للتردد والمواقف الرمادية أو المتخاذلة. وقد عزز هذا الاندفاع من صمود وحدات الجيش وعزيمتها، وتمكّنت من دحر القوى المهاجمة لمطار الثعلة ومحيطه.

إن الاعتداءات المتكررة على بعض قرى الجبل الواقعة على محيطه، وسلسلة المجازر الوحشية التي ارتكبتها القوى المسلحة المتشددة بحق المواطنين المسالمين، في الكثير من بقاع الوطن، آخرها المرتكبة في حمص وحلب وقلب لوزة (إدلب)، قد رفعت حالة التحسّب والتأهب بين أبناء الجبل، والاستعداد لمواجهة القوى الظلامية المتشددة التي لا ترعى الذمم، إذا ما حاولت اقتحام حمى الجبل، ولسان حال الجميع:

– لا مهادنة مع المعتدي، ولا هلع، ولا مغادرة لأي شبر من أرضنا وبيوتنا وأعمالنا.

– التمسك بوحدة الوطن، ورفض كل أعمال ومخططات التفرقة والتقسيم بين أهله وأراضيه، ومقاومتها، والمحافظة على مؤسساته الوطنية.

لقد ازداد طلب المواطنين للسلاح، وتعددت مصادر التسليح ومرجعياته، مما أثار الخشية من فوضى انتشاره واستخدامه. ويتساءل المواطنون: لماذا لا يجري تفعيل عمل وحدات الجيش الشعبي رديفاً مشروعاً للجيش الوطني، وضمن صفوفه وأعماله المنظمة يتاح لجميع الراغبين التسلح المشروع والتدريب المنظم، وهذا يحقق أوسع تعبئة شعبية، مع الاستفادة من الخبرات المنظمة فيه. ولشعبنا تجارب تاريخية مشرفة في مقاومة المعتدين من خلاله، ويكون ذلك بديلاً لهذا التعدد والتشعب لانتماءات مختلفة، قد تؤدي إلى حساسيات ما، مجتمعنا ووطننا في غنى عنها.

قد يبدو أن الجراح العميقة والنازفة التي خلفتها هذه الأزمة المعقدة طوال سنواتها الخمس لن تندمل ومن الصعوبة تجاوزها. ولكن يعتقد أن حلاً سياسياً وطنياً جامعاً، على أسس احترام المواطنة الكاملة لجميع أطياف شعبنا، يقطع دابر التدخلات الخارجية، ويهيئ لمصالحات وطنية فعلية، تهدى للوطن الجامع، فقط للوطن، وتهيئ لتناسي الجراح، وتجاوز الصعاب، في سبيل عزة الوطن ومستقبله.

العدد 1105 - 01/5/2024